معظم الناس يخشى الخطأ. لا يهم نوع الخطأ، فقد يكون أن ينسى الشخص شيئاً، أو أن يسهى عن مهمةٍ ما، أو أن تمتزج ضغوط العمل بمشاكله الشخصية فيَغفل عن تكليفٍ أُوكِل إليه، وهنا لا يَرحم الكماليُّ نفسه، خاصة من يؤدّي أمام الناس، فأدنى خطأ أثناء التقديم أو الاجتماع – كزلةِ لسان، أو شريحة باوربوينت ناقصة، أو نقطة ينساها - كفيلٌ بإرسال الكمالي إلى قعر هاويةٍ مُظلمة لا يَرحم المرء فيها نفسه. من الطيب أن يُتقِن المرء عمله، ومِن عناصر الأمانة أن يصنع المرء العمل بأفضل طريقة ممكنة، لكن هناك فرقا بين الكمالي والعاقل، فكلاهما يتقن عمله قدر الاستطاعة، فأما العاقل فإذا أخطأ سامح نفسه وتعلّم من التجربة لئلّا يكرر الخطأ، وأما الكمالي فيرى نفسه ارتكب جريمة لا تُغتفر، ويعذب نفسه بلا رحمة، واصفاً إياها بالفشل والإهمال، وهو ما لا ينفع بل لا يأتي منه إلا الضرر. أكثر الناس نجاحاً وأغزرهم مالاً وأعظمهم صيتاً لهم خطأ بل أخطاء في حياتهم المهنية والشخصية. الذين أدركوا هذا استغلوه، حتى إن البعض صار "يخطئ" متعمداً، لأن هذا يجعل صورته أكثر بشرية أمام الناس، المغني الشهير فرانك سيناترا إذا صعد المسرح أفسد ياقة قميصه عمداً، وسام والتن مؤسس سلسلة أسواق وولمارت الشهيرة إذا تقدّم للمنبر ليتكلم أسقط كراسة ملاحظاته أمام الناس، فكانت هذه التصرفات تُنقِص من صورة الكمالية التامة التي تبعث الهيبة وربما النفور في نفوس الآخرين الذين يرون البارزين ولا أخطاء لديهم أبداً، ويرتاحون أكثر لمن يخطئ علناً لأنه يجعلهم أكثر بشرية وأقل كمالية.