قال الإمام الذهبي في الأعلام: «لقي عليٌّ أسامة بن زيد، فقال: ما كنا نعدّك إلا من أنفسنا يا أسامة، فلم لا تدخل معنا؟! قال: يا أبا الحسن، إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد لأخذت بمشفره الآخر معك، حتى نهلك جميعاً أو نحيا جميعاً، فأما هذا الأمر الذي أنت فيه، فوالله لا أدخل فيه أبداً). أ. ه. أحياناً نرى بعض أهل الرأي منا يشاركون إعلامياً في كل قضية ولديهم استعداد أن يعلقوا على كل حادث وأن يرموا في كل مسألة بسهم، وهذا شيء عجيب. فليس المرء العاقل ملزماً أن يكون حاضراً في كل محفل وشاهداً في كل قضية. ومما نراه ولا نود وقوعه – ما نلحظه من الحدة في الخطاب مع المخالف، وأن يسبق الظن النظر في الدليل، والتأمل في المسألة، وربما كان الحكم أعظم مما تحمله المسألة ومتى صاحب الحكم تشفٍ أو قراءة خطأ أو انتصار غير محمود جاءت الألفاظ سيفاً قاطعاً لا تترك للأوبة طريقاً ولا للعودة سبيلاً، وفي الوصايا النبوية: (إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه)، وهذا كتاب «المحلى» لابن حزم رحمه الله لم ينتفع أكثر الناس بما فيه من آثار لحدة اللسان والتهكم بالمخالف -عفا الله عنا وعنه-، وبعض الفضلاء منا ليس فيه شيء من ذلك التشفي أو الفهم السقيم لكن انتصاره للحق يأتي مقرونا بخوفه وحدبه على الناس فيعظم تنكيله بالمخالف، وأحسب أنه لابد من التفريق بين مخالف أراد بقوله هدم الدين وإجفال الناس عنه وإن اعتمد على قول سابق لإمام مضى فهذا وأمثاله -لا رحم الله فيه مغرز إبرة- إن كان هدم الدين قصده، وبين مخالف طار قبل أن يريش وتكلم يحسب أنه يحسن صنعاً أو كان معه من الحق بعضه وغفل كيف يجمعه كله فهذا يبين ما أخطأ فيه ويرشد إلى ما التبس عليه حاله وقصر عنه فهمه مع لطيف القول وجميل الخطاب.. فالمقصود قوله لا عرضه والمقصود رأيه لا نسبه وحسبه وأهله. ومن تأمَّل تاريخ الأمة ببصيرة نافذة وعقل رزين تبين له أن من أعظم أسباب فرقتها الغلو في المحبة أو المعاداة حتى أضحت الأمة فرقاً وشيعاً وأحزاباً. وكثير من الأمور مما سلف كان يمكن أن تتدارك بأهون وأيسر مما وقع، وليس من الحكمة أن ترفع سوطك في موضع يغني فيه لسانك، ولا أن ترفع سيفك في موضع يغني فيه سوطك، والحق أبلج وكثير عارفوه وقليل من يعمل به.