لقد رفض القلم إلا أن يستجيب لشعور كبير انتابني وأجبرني أن أكتب كلمات قليلة وأحرف بسيطة، فهاكم إياها سطوراً مبعثرة وعبارات متناثرة. كل واحد منا في هذه الحياة قد تعترضه مواقف صعبة وأيام حزينة وساعات أليمة كما تأتيه ساعات الفرح والسعادة، فهذا هو الإنسان وهذه طبيعة الحياة. استيقظت ذاك الصباح على رسالة وصلتني من ابن العم علي سليمان اللزام ليخبرنا من خلالها بأن والده وهو عمي سليمان قد وافته المنية ورحل عن الدنيا إلى دار القرار، الخبر نزل علينا شديد الألم وترك أثره في قلوبنا كثيراً، ضاق الصدر وانهالت الدموع حين رأيت عمي الغالي مغسلاً مكفناً بانتظار الصلاة عليه، لم أستطع تمالك نفسي، فقد كان الفقيد محبوباً لدينا جميعاً، كان -رحمه الله- سمحاً في تعامله، بشوشاً في استقباله، طيباً في أخلاقه، يوقر الكبير ويعطف على الصغير ، يسأل عنا حال غيابنا عنه أو تأخرنا في الحضور إليه. كان كثير السؤال عن أبنائنا ويسعد برؤيتهم ويحرص كثيراً على وجودهم في الزيارات والمناسبات، كان مجلسه عامراً بالأقارب والأصدقاء والمحبين، حيث كان بابه مشرعاً وقبل ذلك قلبه مفتوحاً يأنس بالزائرين من كافة الفئات العمرية. تعلمنا منه صفات السمح والطيبة والبشاشة، وتعلمنا منه وافراً من الخصال الكريمة والأخلاق الحميدة، كان له في قلوب الناس محبة كبيرة، وشاهد ذلك حين اصطفت تلك الجموع الغفيرة من المصلين يوم جنازته والذين تهافتوا من كل مكان حين عرفوا نبأ وفاته وموعد الصلاة عليه. أصابه مرض أتعبه كثيراً ولم يكن يوماً من الأيام متضجراً بل كان صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله حامداً شاكراً فضله سبحانه وتعالى، المرض الذي أصابه لم يمهله كثيراً فقد حان الأجل «فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون». رحل عمي الغالي، ويشهد الله من فوق سبع سماوات أننا لم نشبع من رؤيته والجلوس معه والاستئناس بحديثه الذي لا يمل، هذا قضاء الله ولا راد لقضائه. «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك ياعمي لمحزونون». إنما هي مشاعر فاضت وأخرى توارت، وهذه وتلك تظهر محبة الفقيد الغالي ومكانته العالية التي سكنت سويداء القلب. إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم يا حليم يا رحيم يا كريم اغفر لوالدينا وأعمامنا وعماتنا وأقاربنا وذوي أرحامنا وجميع موتى المسلمين، وأسكنهم بفضلك ورحمتك الفردوس الأعلى من الجنة.