الموت حق على كل كائن حي على وجه البسيطة، لا مفر منه ومن سكراته، كائنًا من كان؛ فلا عجب أن الموت هو الحقيقة التي تقف أمامها البشرية بحبها للحياة - إلا من رحم ربي - عاجزة عن الهروب منه، يقول الله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} (سورة النساء: 78). نعم، الموت حق، وجعله الله سبحانه مصير كل شيء، ولكن ما أقسى لحظات الوداع، وما أصعب ساعات الفراق، كيف والمفارق رجل كان زاهداً عابداً مربياً ومعلماً، هو الشيخ العم محمد بن عبد الرحمن بن دوس تغمده الله بواسع رحمته. رحل عمي إلى جوار ربه قبل أسابيع عدة بعد حياة إيمانية طويلة وعامرة بالطاعات والعبادات. عرفه الجميع من الأقارب والأحباب مواطناً صالحاً محباً لدينه وقيادته ووطنه ومجتمعه، فعاش - رحمه الله - حياة السلف الصالح من القيم الدينية الفضيلة والشيم الاجتماعية الأصيلة. كان - رحمه الله تعالى - قدوة صالحة وأسوة حسنة في تواضعه وحلمه وزهده وخلقه ونقاء سريرته، يتميز بالصبر والحكمة وطول الصمت والتسامح والكرم والمروءة والجدية في شؤون حياته. كان فقيدنا الغالي عمي محمد بن دوس - رحمه الله - يعيش حياة الزاهدين بعيدًا عن التكلف، ومدرسة من التواضع والأخلاق الحميدة والخصال الجميلة، وكان بوجهه البشوش اجتماعيًّا يخالط أحبابه وأقاربه، ويؤثر فيهم وفي قيمهم الدينية، ويُدخل السرور إلى قلوبهم، ويعطف على صغيرهم، ويستمع إليهم، ويوجههم، ويعظهم.. فلقد وهبه الله - عز وجل - من نبيل العواطف ولين الجانب أضعاف أضعاف ما عند كثير من الناس حناناً وعطفاً ورقة، وكأنه ألف قلب حنون في قلب واحد. كان حريصًا على تطبيق السنة في جميع أموره، مستثمراً وقته في رحاب الطاعات وغنائم العبادات. إنها حياة زاهدة يطول الحديث عنها، ويكفي أنه كان جارًا للمسجد، وكان قلبه متعلقاً بالصلاة، حتى مع تقدم سنة وفي مرضه وثقل حركته وصعوبة مشيته لم يمنعه ذلك من كثرة الخطى إلى المساجد وأداء الصلاة في أوقاتها. فما أعظمها من قلوب عظيمة، ونفوس كبيرة، تعلقت بحبال الطاعات والأعمال الصالحة، حتى في مصاحبته القرآن الكريم منذ صغره؛ إذ كانت تنشئته الاجتماعية وتربيته الدينية على حب القرآن؛ فصاحب القرآن في صغره، وصاحبه القرآن في كبره وهرمه، والقرآن نعم الصاحب ونعم السمير. حتى أبناؤه منذ صغرهم كان حريصًا على أن يكون القرآن منهج حياتهم، كيف لا..؟!! والقرآن هو عقل المؤمن ودستور حياته، إذا أحبه الأطفال تمسكوا بتعاليمه، ومن ثم لن يضلوا أبدًا. إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإني يا عمي على فراقك لحزينة، والحمد الله راضية بقضاء الله وقدره.. اللهم اغفر له، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا أرحم الراحمين. و{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}. ** **