للشعر الشعبي ذائقته الخاصة التي تُحيل الوعي إلى نموذج فني يستولي على مدارك الجمال التلقائي للذائقة الشعرية ويبث في الروح ألقاً يجعل من الشعر جذوة وهّاجة تغمر النفس بالنور والنقاء. والشعر الشعبي له ميزاته التي يتميز بها عن الشعر الفصيح والتي تحيل مدركات الملفوظ إلى إيماءات وإشارات شعورية تحيل الوعي القائم بفن هذا الشعر إلى مثولات رائعة المعنى تستجر المخيلة التشبيهية إلى الإدراك المتناظر والتصوير المندغم مع الوعي ما يحيل المنطوق إلى غنائية حادة يمتثل معها الشجى وتأنس بها الروح وتجلى بها مدركات التمثيل ومبهمات التصور. وما يتميز به هذا الفن هو المنطوق المندغم مع الجماعة والذي يحيل التصورات إلى إيحاءات متناظرة بين المعاني الجماعية والمفرد التمثيلي للغناء وهو مشافهة الوعي القائم مع الجماعية وإحالتها إلى ملفوظ تمثيلي يلخص بنفاذه إلى الضمير ويسرب وعيا حادا للمتلقي يحيل مدركاته إلى شعور محض تتغنى به الجماعة وتتأود على وقع أثيره النفوس. وفي وقفتنا هذه نقرأ لشاعر شعبي خبر اللغة العامية واستدرك مبهمات رموزها وتوغل في معانيها واستجلى مبهمات إيحاءاتها ودلالاتها نافذاً بأعماقه إلى أقصى مدارج النبوغ غزير الفكر ثري بثقافته العميقة مستبين الفكر إنه شاعرنا المبدع سعيد آل صمع أحد شعراء الشعر الشعبي والغنائي في المملكة العربية السعودية بما يمتاز به شعره الشعبي من نغم مشبع بروح الفن جعلت منه مبدع القصيدة الشعبية المغناة بفنياتها وتقنياتها اللغوية والموسيقية ووقعها في النفس والذائقة معاً. إذ تتجلى في قصائد الشاعر سعيد آل صمع الصور الموحية التي تحيل المدركات إلى شعور مهيمن في النفس يستجلي عتمات المجهول ويتوغل في النفس مسيطراً على الشعور ويتناهى إلى شتى الآفاق بمدركات متغايرة ومتباينة تحيل التقمص الشعوري للوجدان إلى نغم سيمفوني بالغ التأثير في الوعي يوائم بين مدركات لا حصر لها بطريقة ايماء وتقمص لماهية التصوير المكتنز في الأعماق. وما يمتاز به شعره أيضاً أنه يستجلي المدركات المغايرة للطبيعة التأملية للنفس ويتقمص الحنين الكامن في الأعماق ويخوض في مدارك الشعور خوضاً بيناً بإدراك تام لخفايا الوجدان مستلهماً من الشعور حدسه التعبيري ملهماً بحفيظة الإدراك ما يحيل تقمصاته المبهمة إلى شجن في الأعماق والشاعر يمازج بين مدركات التفرد بحديه الإدراكي والشعوري ويغاير المد الشعوري إلى خفايا البوح وفي أكثر من قصيدة من قصائده تتجلى المدركات بهيئتها الروحية موحدة بينها وبين الشعور بمدرك تمثيلي يندغم ووقع الشجن الكامن في النفس ويحيل المنطق التنظيري إلى إيحاءات روحية في النفس تتقمص المدارك المختلفة وتحيل الاستشعارات المستشرفة أفق التصور إلى نغم شجي في النفس يفتح آفاقاً لا محصورة للتهيؤ بين النفس والمدارك الذاتية. ففي قصيدة (حزني مراعد) تتمثل اشعارات الشجى بهيئتها الحضورية التي تحيل المنطوق إلى انهمار شجي يخلق في الروح الحنين ويذوب مدركات الوعي ويحيل الملفوظ الواحد إلى مقامات متعددة الشعور تجعل من المد التمثيلي تصويراً روحياً للإنسان إذ يقول من القصيدة: جدران قلبي هدها جامح الشوق والحب وتدد خيمته في ضلوعي همسك يداوي في الهوى جروح وحروق مثل المطر يسقي ترايب زروعي ولاطال ليلي بسمتك صبح وشروق تنعش عصافير الهوى في ربوعي لاغبت عني أصبح نسان مخنوق حزني مراعد والسحايب دموعي فالشاعر هنا يستقصي الروح بمفرداتها ويوائم بينها وبين الإدراك ويسرب وعياً للمفاهيم الشعورية يتقصى من خلاله المدرك التنظيري للأحاسيس المبهمة التي تحيل الشعور إلى مدرك واع يسهم في تجلي الفكرة ويوافق بينه وبين الشعور ويجعل بين حدي التكافؤ الإيحائي استشرافا واحيا للمبهم يتخفى في الروح ويتمازج مع ماهية الشعور المبطن في النفس. وفي قصيدة (مرايا الفجر) يستجلي الشاعر الإبهام الكامن بهيئته ويساوق ملفوظه بين حدي الشعور كأفق دلالي لمفاهيم الاستجلاء التنظيرية التي تحيل المغيب من الشعور إلى حضور كامن في الأعماق وتحيل مدركات الفهم إلى تصور قائم بذاته يتناهى إلى الإدراك فالشاعر في هذه القصيدة يرتب المعمولات الإيمائية من حيث هي استجلاء للمغيب من الشعور حيث جعل من المدركات التمثيلية استحضاراً لماهية الروح وتبيانا للفهم القائم على الفكر بينما يدغم معمولات الشعور مع الإيماء المتراوح بينه وبين الشجن كما يقول في أبيات من القصيدة: يا مرايا الفجر في رقة يديك يوم شفت الشمس في عين القمر مالت الدنيا وجالت بي اليك وستقيت الحب من اول سطر إيه أحبك يا بعد روحي وبيك كم اقاسي البعد كم لي انتظر لا غرام قبلك ولا حبن يليك مسكنك ما بين قلبي والنظر فهنا يقيم الشاعر علاقة الملفوظ مقام التجلي الاستبياني للروح ويقيم الذات مقام الشعور وهو هنا أي الشاعر يستجر الإيحاءات المرئية بمكافآت تنظيرية للشجن ما يحيل المدركات الى تصور محض يستدرجها الشاعر تبيانا للبوح. أما في قصيدة (عاصفات الشوق) فالشاعر يناظر بين المد الروحي وبين مغيبات التجلي ويوحد بين الاثنين بطريقة إيماء دلالي يجعل منه مسافة لبلوغ الشجى ويساوق بينه وبين الإشارات الموحية الرمزية بطريقة شعور محض تكيف المعمولات الشعورية وتوائم بينها وبين المدركات المختلفة ما جعل من الإيماء الرمزي مهيأ لاستجلاء الفكرة إذ يحد من الوعي القائم بالمدرك الشعوري ويوسع أفق التهيؤ للاستشعار القادم من الوجدان وهو هنا يستقصي المدركات الإيمائية ويحصر الملفوظ في التهيؤ القادم من الروح كما هو قوله: عاصفات الشوق والوجد الرهيب في بحار الحزن قلبي ما رسى نضرة عيونك تناديني واجيب مانسيتك يوم لوقلبك نسى رغم بعدك انت من روحي قريب ناعم احساسك جروحي لامسى داوني بالحب يا أجمل طبيب بسمتك بلسم وعينك نرجسى فيؤكد الشاعر بهذه الأبيات أن الذات تنطلق لعالمها وحيا من الروح ويجعل بينها وبين الوجدان مساحة تتماهى معها المدركات التعبيرية في خضم التوق للجمال ما حدا بالشاعر إلى التهيؤ الروحي للتمثيل المدرك للعاطفة. وفي أكثر من قصيدة من قصائد الشاعر تتفاوت المدركات اليقينية وتقيم مع المد الشعوري إيماءات روحية تتسرب من الحزن إلى العاطفة المغيبة من جهة انه يمازج بين مدركات لا حصر لها وبين الحضور الذاتي للوجدان كما في قوله من قصيدة (أنت الدواء) التي يحيل مدركها الواعي إلى بيان متضخم للروح يتلقى أثيره من مواجيد مختلفة كما هو قوله: لانك بساتين احلامي وأظلالي انهار حبك وانفاسك زلاليه تسقي جذوري بتهيامي وترحالي واستشعرك حين تلمس جسمك يديه كاني على نهر دجله راكب الالي وتمور خدك واوجانك لآليه وحيان عينك تهامسني بجوالي من كثر ما يشع ضوك داخل عنيه إذ يباكر الشاعر المعنى المزدوج في النفس ويناغم بينه وبين الشجن ويجلي المغيب من الفهم مقابل المحبوب بينما يحيل مدركات الوعي إلى شعور محض مقابل إيماءات التصور ويبطن المعمولات مقابل الشعور المهيأ للتمثيل. من هنا ندرك ان الشاعر سعيد آل صمع يقابل بين الروح والنفس والذات مقابلة توحي بالإدراك الرفيع والفهم المتغاير لطبيعة العاطفة ما يحيل مدركاته الشعورية إلى مقامات متعددة الحضور تجلي المبهم من الخفايا وتستحضر الروح كأفق توصيلي للإدراك. سعيد آل صمع الشعر يبث في الروح جذوة وهّاجة تغمر النفس بالنور والنقاء