في ظل التطوّرات التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص، والتحدّيات الكبيرة التي توجهها، يبرز مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ككتلة إقليمية وازنة ومترابطة، من منطلق إيمان دوله بأنها قادرة على التعامل مع هذه التحدّيات بكفاءة وفاعليّة والحفاظ على مصالحها وأمنها واستقرارها، والتي ترتبط بوحدتها وتناسق مواقفها وتحرّكاتها. ومن خلال الفترات الماضية أثبتت دول مجلس التعاون من خلال أكثر من محكّ تجاوزته بأنها قادرة على تنسيق جهودها وتكثيف تعاونها ولديها وعي كامل بطبيعة المخاطر التي تحيط بها، ولا شكّ أن وحدة دول مجلس التعاون والاتساق الكبير في مواقفها والتكامل في تحرّكاتها، هي التي جعلتها القوة العربية والإقليمية ذات التأثير البارز والأساسي القادرة على توجيه تفاعلات المنطقة وأحداثها في ظل ما تشهده من تغيّرات متسارعة. بداية المجلس منذ العام 1981م الذي أنشئ فيه (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) أثبت أنه قوة مؤثرة في الظروف الصعبة والمحطات المفصليّة، كما يمثّل المجلس سياجاً قوياً لحماية دوله والحفاظ على مصالحها وصيانة مكتسباتها، والذي يعدّ قوة استقرار إقليمية مهمّة من خلال دوره الفاعل في التعامل مع الأزمات في المنطقة والسّعي إلى إيجاد الحلول لها. ويضم مجلس التعاون الخليجي ست دول عربية هي: السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان. وعقدت القمة التأسيسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في الحادي والعشرين من شهر رجب عام 1401ه الموافق الخامس والعشرين من شهر مايو 1981م، ومن ثم تلتها القمة الخليجية الثانية في العاصمة السعودية "الرياض" في شهر نوفمبر من العام ذاته. والتي برزت فيها مواقف القيادة السعودية بالفعل قبل القول في دعم العمل الخليجي والنهوض به على المستويين الداخلي والخارجي. وتجلى اهتمام القيادة السعودية بمجلس التعاون الخليجي منذ تلك القمة. وفي القمة الحادية والعشرون التي انعقدت في عاصمة البحرين "المنامة" في شوال من عام 1421ه الموافق ديسمبر 2000م، حيث ركز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -ولي العهد آنذاك- في الكلمة التي وجهها إلى الدورة على ضرورة تطوير التعاون العسكري بين الدول الاعضاء وتنمية القدرة الدفاعية الذاتية الفاعلة لدول المجلس. وفي هذا السياق قال -حفظه الله-: "إذا كان التعاون الاقتصادي يمثل القاعدة والمنطلق لتوفير الرخاء والازدهار لمواطني مجلس التعاون عبر إيجاد شبكة من المصالح المشتركة والمتبادلة فإن تنمية قدرة دفاعية ذاتية وفاعلة لردع أي اعتداء محتمل على دولنا يشكل ضرورة قصوى لا يجوز التقليل من أهميتها أو الاستهانة بها، وهذا الأمر كما هو معروف يتطلب منا جميعاً التحرك بكفاءة وحزم في اتجاه النهوض بقدرات المجلس الدفاعية ليتسنى لنا مواجهة التحديات الراهنة والمحتملة". قمة العُلا وشكلت قمة العُلا التاريخية أساساً لمرحلة أخرى من مراحل البناء والعطاء والترابط والأخوة بين شعوب ودول مجلس التعاون، قمة العُلا قمة تاريخية تعبر بجلاء عن استمرارية الجهود التاريخية التي تبذلها المملكة العربية السعودية وقيادتها الكريمة في سبيل تعزيز الترابط والتلاحم والتعاضد بين شعوب دول مجلس التعاون التي ترتبط فيما بينها بعلاقات الأخوة والدم والمصير المشترك. فالتاريخ المديد للمملكة الممتد لثلاثة قرون، والتاريخ الحديث والمعاصر الذي يمتد لتسعة عقود، يشهد للمملكة ولقيادتها الكريمة حرصها الشديد على عزة وكرامة أبناء دول مجلس التعاون، واستقلالية وسيادة أراضيها الوطنية، ووحدة الصف والكلمة بين جميع دول المجلس. من هذه المنطلقات التاريخية المعبرة بوضوح عن اهتمام المملكة وقيادتها بالعمل الخليجي المشترك، تأتي قمة العُلا لتعزز هذه المنطلقات التاريخية وتبني عليها لما فيه مصلحة شعوب ودول مجلس التعاون. وشكل عقد قمة العلا التاريخية ونجاح أعمالها رسالة مباشرة بأن دول مجلس التعاون لديها ترابط وثيق وقادرة على التعامل مع الواقع، وساعية لوضع الخطط البناءة والأهداف السامية التي تمكنها من صناعة مستقبل أكثر رفاهاً ورخاءً لشعوبها، وأكثر أمناً واستقراراً لدوله.