يَهل علينا موسم حج هذا العام بعودة حميدة وموفقة بإذن الله، بعد انقشاع غُمة جائحة فيروس كورونا المستجد، ملتقطاً أنفاسه الجميلة وروحانيته الرائعة، مضاعفاً لأعداد الحجاج بأكثر من 16 ضعفاً ليصل عددهم إلى مليون حاج مقارنة بستون ألف حاج العام الماضي. موسم حج هذا العام ليس حجاً مليونياً فحسب، وإنما هو حجاً مميزاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى بَسعي جهود منظومة الحج الحكومية بقيادة وزارة الحج والعمرة وتسخيرها لكافة الإمكانات لخدمة ضيوف الرحمن، حيث سَعت المملكة هذا العام إلى توفير أرقى الخدمات والضيافة والاستقرار للحجاج والمعتمرين ليتمكنوا من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة في جو مليء بالأمن والطمأنينة والراحة. المملكة العربية السعودية كعادتها لم تالو جهداً ولم تدخر وسعاً إلا بذلته لتسخير كل إمكاناتها وطاقاتها البشرية والمادية من أجل تسيير أعمال الحج والعمرة وخدمة ضيوف الرحمن من خلال منظومة شُكلت بعناية فائقة جَمعت بين القطاعين العام والخاص، تحت سقفاً واحداً مباركاً، تًضمن لثلاثين جهة حكومية و 170 جهة من القطاع الخاص جُندت جميعها لتيسير أداء الحج والعمرة وحماية لضيوف الرحمن وسلامتهم منذ وصولهم للمملكة حتى عودتهم لبلدانهم سالمين غانمين. ولعل ما يميز موسم حج هذا العام عن غيره من المواسم السابقة، تَسخير منظوم الحج ووزارة الحج والعمرة بالتحديد المعنية بتنظيم الحج والعمرة لكافة الإمكانات البشرية والمالية، ليس فقط فيما يتعلق ويرتبط بإدارة الحشود فحسب، وإنما أيضاً لتقديم حزمة من الخدمات المدعومة بالتطبيقات الإلكترونية والأعمال التقنية، التي تجعل رحلة الحاج سهلة وميسرة، بشكلٍ ومضمون يركز على تجويد الخدمات من خلال رفع كفاءة الأداء، والإتقان في تقديم العمل، بالشكل الذي يسهم في سلاسة الإجراءات وسرعة إنهائها بدقة عالية. خدمات حج هذا العام اتسمت بتنويع الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام وتبنيها لتقنيات حديثة، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الحديثة والذكية، حيث حَرصت وزارة الحج والعمرة، على تجنيد وتسخير المشروعات التقنية والإجراءات الميسرة في سبيل الرقي بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن في موسم حج هذا العام؛ وسط منظومة متكاملة من الاستعدادات. ولعل خير شاهد على ذلك بطاقة الحج الذكية، التي سيتم التوسع في استخدامها في موسم حج هذا العام وفق استراتيجية وزارة الحج والعمرة الرامية إلى استخدام التقنية الحديثة وزيادة أعداد المستفيدين من البطاقة الحج الذكية للحجاج والتي هي بطاقة تعريفية لكل حاج، تحتوي على معلومات الحجاج الشخصية والطبية والسكنية، وتسهم في إرشادهم إلى سكنهم في المشاعر والتحكم بالدخول إليه وإلى المرافق المختلفة، إضافة إلى دورها في الحد من الحج غير النظامي. وإضافة إلى إلى ما تحتويه بطاقة الحج الذكية من معلومات هامة عن الحاج، فإن تطبيق الحج الذكي يُمكن الحاج من استعراض جداول التفويج لجسر الجمرات، والتنبيهات والتعليمات، والأمور التوعوية، وكذلك التقييم للخدمات المقدمة للحاج، والتواصل المباشر والتحدث الفوري مع مسؤول الشركة الذي يقدم للحاج الخدمات. كما يساهم التطبيق في تَمكين المنظمين (شركات أرباب الطوائف) من تحديث بيانات الحجاج، وأماكن سكنهم، وتقديم العون اللازم لضيوف الرحمن، ومربعات السكن في خيامهم بالمشاعر المقدسة، حتى تكون هناك متابعة مستمرة لجودة الخدمات المقدمة، وتقديم العون اللازم لضيوف الرحمن. وليس ذلك فحسب، حيث يُمكن التطبيق العاملين بمنظومة الحج من تقديم خدمة الإرشاد للحاج في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة، من خلال القارئ الآلي لبطاقة الحاج الذكية، حيث يتعرف العامل على المعلومات التعريفية عن الحاج ومقر سكنه، مما يمكنه من تقديم خدمة الإرشاد في حال كان الحاج تائه، أو تقديم أي دعم يحتاجه ضيف الرحمن. ولكن وعلى الرغم من تواجد وتوفر التقدم التقني وتحسين التجربة في استخدامها، إلا أن وزارة الحج والعمرة، قد راعت فئة كبار السن أو الذين لا يستخدمون التطبيقات والهواتف الذكية، وذلك من خلال الدور الكبير للفرق الميدانية من وزارة الحج وجميع أفراد المنظومة العاملة بتقديم الخدمات في مساعدة الحجاج بشكل مباشر وتقديم الخدمات والدعم لهم على مدار الساعة. وإلى جانب بطاقة وتطبيق الحج الذكي، هناك خدمات الكترونية ذكية عديدة تُقدم للحجاج قد يطول شرحها في هذا المقام، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ استخدام الروبوتات الذكية في التعقيم وفي تزويد الحجاج بماء زمزم المبارك، واستخدام المسارات والبوابات الالكترونية للتسجيل، مثل البوابة الإلكترونية لتسجيل حجاج أوروبا وأمريكا وأستراليا، التي طورتها وزارة الحج والعمرة لتضم خيارات متنوعة من الباقات وخدمات الدعم، وإصدار التأشيرات إلكترونيًا بما يلبي تطلعات ورغبات الحجاج من تلك الدول، ضمن إجراءات سهلة وميسرة. جميع هذه الخدمات الالكترونية وغير الالكترونية التي تُقدمها حكومة المملكة العربية السعودية لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين، تستهدف في المقام الأول تقليل تكاليف الحج والعمرة عليهم ومن ثم جَعل رحلة وتجربة الحج للحاج والمعتمر، تجربة ورحلة سهلة وميسرة في جو مفعم بالسكينة والطمأنينة، لتبقى ذكرى مميزة ورائعة في ذاكرة الحاج وتحقق له الرضا. بارك الله في جهود مملكتنا الحبيبة لخدمة الحجاج والمعتمرين وكللها بالنجاح والتوفيق في هذا الموسم والمواسم القادمة بإذن الله لتحقق المملكة مستهدفات برنامج خدمة ضيوف الرحمن، الذي يُعد محورًا رئيسيًا في رؤية المملكة 2030، لخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، نظرًا لما يتمتع به من مزايا متفردة ومتنوعة تؤهله لتحقيق استراتيجية المملكة لاستيعاب ما يقارب 30 مليون حاج ومعتمر بحلول عام 2030.