مع اقتراب نهاية العام الدراسي وحفلات النجاح والتخرج يبدأ بعض البائسين المتشائمين.. بنشر ثقافة جديدة مقيتة لم نكن نعرفها من قبل.. إنها ثقافة التثبيط ونشر الإحباط.. أصحاب هذا الثقافة يبثون اليأس والتشاؤم في أرواح الخريجين الجدد؛ مفسدين عليهم فرحة نجاحهم بعد سنوات طويلة من الدراسة الُمضنية وعناء التحصيل العلمي المُجهِد.. سمعت واحداً من هؤلاء المُثبطين في إحدى المناسبات العائلية يقول: إن بعض التخصصات وإن كانت بشهاداتٍ عُليا لم تعد تنفع صاحبها إن هو أراد بها الوظيفة.. وإن سوق العمل مُصابٌ بالتخمة من هذا التخصص ولم يعد يستوعبُ مزيداً من الخريجين الجدد. هذا الفيلسوف المُتشائم فضلاً عن تخليه عن مبدأ التوكل الذي حثت عليه الشريعة الإسلامية غفل عن مسألة مهمة جداً تخص العلاقة بين الشهادة والتوظيف، فالاعتقاد السائد الذي يقول: إنه لا بد من أن يلتحق كل خريج بوظيفة تُطابق تخصصه مطابقة تامة اعتقاد خاطئ.. فكثير من الخريجين يلتحقون بالقطاع الحكومي أو الخاص في وظائف لا تُطابق تخصصاتهم تطابقاً تاماً، فالتوظيف يعتمد على معايير أخرى غير التخصص الأصلي المدون على الشهادة، مثل المهارات والقدرات الإضافية الأخرى، كاللغة والدورات اللازمة والمهارات التي تُحددها المقابلة الشخصية وغيرها.. هذا فضلاً عن إمكانية أن يلتحق الخريج بوظيفة مؤقتة بلا راتب، أو براتب زهيد في إحدى المُنشآت التي يطابق نشاطُها تخصُّصَه بغرض التدرب فيها على العمل الحُر المستقل فيما بعد. وعلى سبيل التمثيل لا على سبيل الحَصر؛ ما يفعله خريجو تخصص القانون الذين يتدربون في مكاتب المُحاماة لاكتساب الخبرة اللازمة ثم بعد ذلك يستقلون بعملهم الخاص بعد التمكن من فنون الصنعة وإتقانها. إن السعي لاكتساب الخبرات والشهادات من الأسباب المشروعة التي يجب فعلُها على ذوي الهِمَمِ، التوّاقين إلى القِمَم. أما المثبَّطون المُحَبِّطون الذين يخوفون الشباب من البطالة؛ فقد فاتهم أولا: أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن الله قد كتب للإنسان رزقه وأجله. ثم فاتهم أن قيادتهم المخلصة ما فتِئت تفعلُ الأسباب وتُسخر كل ما تحت يديها من مكامن القوة لتصنع مجدا حضاريا واقتصاديا ليس له مثيل، من ملامحه البارزة الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد وفي سوق العمل وإعادة ترميمه وضمه إلى أحضان المواطنين ليوفر المزيد من الوظائف ذات الدخل الكريم المستديم لأبناء وبنات الوطن.