الحزن حالة تنتاب الإنسان لأنه فقد، والفقد واسع المجال لا حصر له، فما دام يتولد من الفقد فهو حالة ناتجة من عامل خارجي، وما دمنا قررنا أنه خارجي السبب فهو إما إحساس أو إدراك، وعليه نبدأ في صياغة منظور عميق عنه. مبدئيا؛ يظهر الحزن كعامل سلبي سيئ ينتاب الإنسان، لكن عند التدقيق سنجده مدافعاً شرساً عن صاحبه، يدخله كي يوقظه من غفلته ويخبره أن أمرًا خاطئًا لابد من تغييره كي يتم التوازن وتنعم بالاستقامة. فإن كان الحزن بسبب فقد عزيز فإنه سيؤدي وظيفة الحماية لصاحبه من خطر البلاهة وانعدام الإحساس، ويعمل على إيقاظه بضرورة تقوية الداخل كي لا يتم الانهيار من أي مؤثر خارجي، وأن على صاحبه أن يحذر من أي شعور أو عاطفة تؤدي إلى التعلق بالآخر وجعله حكماً على النفس ومزاجها، وتبدو هذه المهمة في غاية الأهمية والخطورة! يشير علماء النفس إلى أن القدرة على التكيف تعد من مهمات الإنسان الكبرى، أما الإدراكيون فيرون أن العقل الذي هو آلة لمعالجة المعلومات الواردة إليه فإنه يتكيف مع الانفعالات كي يحدد أهدافه فيقرر بناء على هذا التكيف، فيخاف الإنسان كي يحمي نفسه من الضرر، ويتقزز كي يحمي نفسه من المواد الخطرة، ويلاحق السعادة كي يحمي نفسه من الكآبة، وهكذا في كل شؤونه. الحزن يحمينا من الخارج ويعمل على جعلنا أكثر توازناً كي لا نفرط في طلب مكتسباتنا، وتأتي اللغة فتساهم في بلورة إدراكاتنا وأعمالنا الداخلية، فنحن نحزن لأننا استقبلنا لغة غيرنا التي كونها ليحمي بها نفسه، ثم نتلقف حمايته هذه فتؤثر فينا، والمواقف التي تحزننا هي نتاج لهذه اللغة التي كونت بداخلنا هذه الأفكار التي تحولت إلى سلوك، فأنت تحزن على وفاة أحد لأنه أصبح في إدراكك فكرة راسخة لها محددات واضحة وصارمة، فعندما تفقده فكأنك فقدت مفهوماً كاملاً بنيته في داخلك وأنهار في لحظة!