هل تستمد جولة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، إلى مصر والأردنوتركيا زخمها وأهميتها الاستراتيجية، من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنطقة الشرق الأوسط؟ أم إنها جولة لتوقيع اتفاقيات اقتصادية، وتفاهمات سياسية؟ إن الجولة أعمق بكثير مما تناوله المحللون السياسيون والخبراء الاستراتيجيون بمراحل كثيرة، حيث تكمن أهميتها في تحقيق عدد من الأولويات على طاولات المباحثات، من بينها تعزيز التعاون الاقتصادي من جهة، ومواجهة التهديدات الإيرانية من جهة أخرى، وربما إقامة جبهة قوية سنية قادرة على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، والتنسيق مع عدد من القوى الإقليمية في دول الخليج العربي، إضافة إلى مصر والأردن والعراق وتركيا. وتكمن أهمية الجولة في توقيتها الحساس الذي يشهد إعادة تشكيل القوى في المنطقة والعالم الذي يشهد متغيرات كثيرة، تبعاً للتحديات التي بدأت بجائحة كورونا، واستمرت مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتحالف الغربي معها، وما نتج عن ذلك من مشكلات غذائية ضخمة فاقمتها مشكلات إمدادات الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية. وتحتاج المنطقة إلى المزيد من "التعاون والعمل المشترك لمواجهة التحديات، خاصة في ظل تنامي انتشار مخاطر الميليشيات المسلحة التي تمولها إيران، في سوريا والعراق واليمن، والمد الإيراني في إفريقيا، ومن ثم كانت هذه الجولة إعادة لتشكيل أولويات المنطقة أمنياً وسياسياً واقتصادياً قبيل زيارة الرئيس الأمريكي، التي ستلقي الضوء على المباحثات العالمية والملف النووي الإيراني، إضافة لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصة فيما يتعلق بملفات الطاقة والغذاء وسلاسل الإمداد، في ظل تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، الذي – بالطبع – سيولد فراغاً تعمل على شغله قوى إقليمية دولية أخرى. إن جولة ولي العهد تشير إلى وجود مشروع هام يتعلق بالمنطقة، ويستمد قوته من التحولات الحديثة الحادثة، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، وتعزيز الدور الإقليمي للرياض من خلال إعادة بناء تحالف استراتيجي هام بين دول المنطقة، خاصة التي ستلتقي مع الرئيس الأمريكي بايدن منتصف الشهر القادم. ولم تغفل الجولة واحداً من أهم الملفات العالمية المتمثل في مجال البيئة والتغير المناخي، حيث تم الاتفاق مع الجانب المصري على إقامة قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء خلال فترة انعقاد مؤتمر الأطراف لتغير المناخ في شرم الشيخ، دعماً لمصر في استضافتها لقمة المناخ (اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP27). وحظيت ملفات الصحة والتعليم باهتمام كبير، حيث أبرمت العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعمل على رفع مستوى التعاون العلمي والتعليمي والتعليم العالي والبحث والابتكار، وتشجيع الجامعات والمؤسسات العلمية والمراكز البحثية على تعزيز التعاون البحثي في المجالات ذات الاهتمام المشترك مع البلدان التي شملتها الجولة. وعلى الجانب الاقتصادي والاستثماري شهدت الجولة توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين المملكة والبلدان الثلاثة، منها مصر حيث تم توقيع اتفاقيات استثمارية وتجارية ضخمة بين القطاعين الخاصين في البلدين بلغت (8) مليارات دولار أمريكي بما يعادل (30 مليار ريال سعودي)، كما أعلن الجانبان في شأن التعاون بينهما في مجال توليد الطاقة المتجددة تنفيذ مشروع للطاقة الكهربائية بقدرة 10 جيجاوات من خلال شركة أكواباور. وفي الأردن تم التأكيد على أهمية الاستمرار التعاون في الربط الكهربائي بين البلدين وتعزيز التعاون المشترك في مجال كفاءة الطاقة والابتكار والتقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي وتطوير التقنيات النظيفة لاستخدام الموارد الهيدروكربونية في تطبيقات متنوعة في المجال الصناعي والإنشائي، إضافة إلى الاهتمام المشترك في ملفات السياحة والثقافة والرياضة والتعليم، كما حظيت المملكة بدعم مصر والأردن لترشيح استضافة الرياض معرض "إكسبو2030" الدولي. وفي تركيا عمل الطرفان السعودي والتركي على تطوير شراكات إنتاجية واستثمارية في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية والمدن الذكية، وتشجيع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص العاملة في هذه المجالات على التعاون، كما دعا الجانب التركي الصناديق الاستثمارية العاملة في بيئة ريادة الأعمال السعودية للاستثمار في الشركات الناشئة في تركيا، وإقامة شراكات معها. وأعرب الجانبان عن تطلعهما للتعاون في مجالات الطاقة، منها البترول وتكريره، والبتروكيماويات، وكفاءة الطاقة، والكهرباء، والطاقة المتجددة، والابتكار والتقنيات النظيفة للموارد الهيدروكربونية، والوقود منخفض الكربون والهيدروجين، والعمل على توطين منتجات قطاع الطاقة وسلاسل الإمداد المرتبطة بها.