لطالما كان الجدال بين الأجيال تاريخًا يستمر بتكرار نفسه فيما يتعلق بالاختيار بين الإصرار على السير في طريق عادات وتقاليد السابقين في المجتمع وبين الانطلاق على خطوط التجديد بحماسةٍ قد تنسف شطرًا كبيرًا من الماضي وما كان يعتبره من الثوابت، ويبدو أن هذا الصراع بين فكر الماضي وفكر الحاضر سُنة من سُنن الحياة التي لا بد وأن تفرض نفسها في كُل زمانٍ ومكان قبل أن تتمخض عنه مسارات جديدة تُساهم في دفع عجلة الحياة واستمرارية إعمار الأرض. ترتكز حُجج المؤيدين للسير الدائم في طريق التقليد على أن العادات والتقاليد لم تنبعا من فراغ، بل من تجارب الأولين وخبراتهم المُتراكمة، إضافة إلى اجتماع كثير من أفراد المجتمع في زمنٍ مضى على تلك المُعتقدات ما يؤكد صلاحها لمعيشة أغلبية البشر، بينما يرى مؤيدو التجديد أن تجارب الأولين وخبراتهم قد تتناسب تناسُبًا كبيرًا مع ظروف زمنهم ومُعطياته؛ لكن جانبًا كبيرًا منها لا يمكنه أن يتلاءم مع ظروف الزمن الجديد واحتياجات أهله وأسلوب تفكيرهم، كما أن إجماع الأفراد في مجتمعٍ ما على رأي من الآراء في وقتٍ ما لا يعني أن يظل هذا الإجماع مقياسًا صالحًا إلى الأبد. يقول المثل الشعبي المعروف: "اللي ما له أوَّل ما له تالي"، فالحاضر مهما كان مُشرقًا واعِدًا ما كان له أن يوجد لولا ارتقاؤه درجات الماضي واستناده على خبرة أهله، وبالمقابل تؤكد الحكمة العربية الأصيلة أن "ما لا يتجدد يتبدد"؛ فالأشياء والأفراد والمجتمعات التي تنأى بنفسها عن تيارات التجديد والتطوير تُهدد مستقبلها بالفناء وتحكم على حاضرها بالجمود وانعدام الأمل، والحل السلمي أمام تلك المُعضلة الأزليَّة هو اتخاذ سبيل "التسديد والمُقاربة" بأخذ الموعظة والعبرة والمشورة من الماضي مع فتح الأبواب للفكر المُتجدد بما يسمح له بتطوير واقعٍ صالح لعيش مُختلف الأجيال بصورة مريحة تحترم القديم ولا تنبذ الحديث أو تُصر على تجاهله. لا خوف من التجديد حين تكون الأسس الأخلاقية والتربوية قوية، فالأخلاق التي يحترم بها الأفراد أنفسهم ومن سواهم لا تتغير على مر الأزمان ولا باختلاف الأماكن، وما التجديد إلا حياة لتلك الأخلاق الراقية في ثوبٍ مُعاصرٍ يتسع لها ويليق بأهلها.