تبقى العلاقات بين الأصدقاء عنصراً لازماً وعقداً كاملاً في حياة أي إنسان وبدونها يصبح الإنسان جسداً بلا روح، و فراغاً بلا امتلاء، وأغلب الناس ينظرون للصديق باعتباره المستشار الذي يلجؤون إليه لحل مشكلة أو أخذ رأي ونصيحة، حيث يصبح كل واحد منهم مرآة الآخر وعينه على الحقيقة، بخلاف مشاركته في الأوقات الممتعة والهوايات الشيقة والمغامرات اللطيفة، فما يحمله الأصدقاء من مشاعر تجاه بعضهم يقتضي أن يكونوا سنداً وقت الضيق ومعيناً في عثرات الطريق ومواسياً لهم حال المصيبة والحزن، لذا كان من الواجب أن يكون لدينا دقة في انتقاء الأصدقاء وتفحص عالٍ لهم، فهم يحملون سمات تتوافر عندهم دون غيرهم، ولعل من أبرز السمات التي يمكن أن تكون ضماناً للاستمرارية وقتاً أطول وجذباً أفضل أن تكون محاطاً بأصدقاء إيجابيين يهبونك أجواء من التفاؤل والسعادة الأمر الذي ينعكس صحياً على الأصدقاء من كلا الطرفين. حيث تشير الأبحاث العالمية إلى أن الأشخاص الذين لديهم توقعات إيجابية يتميزون بأنهم أقل عرضة للمعاناة من الاكتئاب والقلق، وحتى بعض الأمراض المحددة التي تأتي في مقدمتها أمراض القلب والأوعية الدموية. ليس ذلك فحسب، فالأشخاص الذين ينظرون إلى نصف الكوب الممتلئ أيضًا يمتلكون قدرًا أكبر من قدرات التكيف وآليات التعامل مع الإجهاد، وهذه ميزة هائلة لهم. نعم لنكن صرحاء، فنحن نمتلك أصدقاء يقومون بالتأثير علينا بطريقة سلبية، ونظرتهم للكثير من مجريات الحياة نظرة تشاؤمية وإحباط، وأن الواقع لا يمكن تغييره، بل تجد بعضهم قد تطبّعوا بطابع الانتقاد، وقتل المشروعات بطرق متنوعة، وتملكتهم أفكار جاهزة للتثبيط، أو ما يسمى «تكسير المجاديف». فتراهم مثلاً يحاولون أن يحطموا طموحك بطرق وأساليب متنوعة، فتارة يتعللون بالنظام، وهم خبراء في اختراقه، ويتعللون بالميزانية، وهم أكثر من ينفقها في الكماليات الخاصة، ويتعللون بعدم وجود الصلاحيات، وهم أكثر الناس حرية في التصرفات، وأحياناً يتعللون بأعذار أخرى من جنس أن الفكرة تحتاج وقتاً للدراسة، والقصد التذاكي بتمويتها ووأدها في مهدها! ليس علينا دوماً أن نخجل من الابتعاد عن بعض الأصدقاء، فلا أحد يحب صحبة الأشخاص السلبيين، وعاجلاً أم آجلاً تنتهي صداقتنا بهم، المهم أن يكون معيار (الإيجابية) حاضراً في أذهاننا حين نقدم على تكوين علاقة صداقة مع غيرنا بل ونتجنب الحديث مع الأصدقاء أو الزملاء السلبيين وبالأخص في الأيام التي نحتاج فيها أن نستلهم بعض الإيجابية من حولنا. نحن بحاجة إلى أصدقاء إيجابيين يساعدون في ترتيب القصص المتلاطمة في محيط كل واحد منا، نحتاج إلى صديق يزرع الأمل في نفوسنا ويربت على أكتافنا ويدعم أفكارنا بالتوجيه والنصح والإسهام الفاعل، بعيداً عن الأنانية والحسد والغيرة التي قد تحدث بين الأقران والخلان. كن إيجابياً في حياتك ومع زملائك وليكن التفاؤل شعارك، فما رأيت متفائلاً خُذل في حياته. فالتفاؤل والأمل عملية نفسية إرادية تولد أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والثقة، وتبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز، وترقى بالإنسان إلى النجاح والتألق، فماذا يضير أحدنا أن يكون إيجابياً متفائلاً في حياة صديقه بدء من ابتسامته عند ملاقاته وانتهاءً بوداعه عند بابه؟ لماذا لا ندع السلبية في طرحنا ونقاشنا وتقديم النصح لمن حولنا؟ لماذا تكثر مجالسنا بأنماط السلبيين ممن يقاطع حديثك بسيل وافر من التثبيط والتخدير، محملاً بالكثير من التشاؤم مغلفاً بغلاف الحسد ونار الغيرة؟ ابحثوا عن الأصدقاء الإيجابيين كما تبحثون عن كنز قد فُقد أو عقد قد انفرطت سبحاته، وإن لم تجدوهم حولكم فليس عيباً أن تكونوا بلا أصدقاء!