زاد الكلام في الفترة الأخيرة عن تراجع معدل الولادات في المملكة، وتمت إحالة الأسباب إلى انخفاض الخصوبة، وأنها نتيجة لتأخر الإنجاب لما بعد الأربعين عند المرأة، أو لما بعد الستين عند الرجل، أو لزيادة أمراض السمنة والسكري ومعطلات الحمل البيولوجية، وهناك من أحالها إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وإلى دخول المرأة لسوق العمل وتمدن المجتمع، ومعها استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وارتفاع نسب الطلاق والبطالة على المستوى الوطني. في الواقع تراجع الولادات لا يخص المملكة وحدها، وانخفاضه من سبعة مواليد إلى مولودين، خلال الفترة ما بين 1950 و2022، لا يمثل وضعاً استثنائياً، فقد تراجعت الولادات في دول معروفة بكثرة مواليدها كإفغانستان واليمن وإيران ومالي والصومال، وفي دول متقدمة كأوروبا وأميركا وكندا، بالاضافة إلى أن معدلات الإنجاب العالمية تراجعت من خمسة مواليد في 1950 إلى مولودين في 2012، ولدرجة أن الصين غيرت سياسة الطفل الواحد إلى ثلاثة أطفال لكل عائلة. لعل الثابت في كل هذا هو اقتراب العالم من مشكلة خطيرة، وذلك بوصوله إلى مستوى الإحلال أو النمو الصفري، والذي يعني ثبات الأرقام السكانية بدون زيادة أو نقصان، ووفق دراسة لباحثين في جامعة واشنطن الأميركية، فالمرحلة التالية ستكون بتناقص هذه الأعداد ما بين عامي 2064 و2100 وبمعدل مليار نسمة في 46 عاماً، ما يطرح، في رأيي، احتمالات انقراض الإنسان قبل 2500، ويمكن استخدام الأرقام في اليابان كمؤشر، لأنها ستنخفض من 128 مليون في 2017 إلى أقل من 53 مليون في 2100، ضمن ما يعرف علمياً بمصيدة الخصوبة المنخفضة، وهذا يعني ارتفاع معدلات الشيخوخة وتراجع معدلات الولادات، واليابان لديها أكبر معدل للشيخوخة في العالم. السيناريو الياباني قد يتكرر في المملكة، فالتقديرات الرسمية تشير إلى أن تعداد السكان سيصل إلى 40 مليون في 2050، وترجح حدوث تغير في هيكلة الأعمار بسبب ارتفاع معدلات الشيخوخة، والتي ستمثل ما نسبته 25 % من إجمالي السكان أو 10 ملايين نسمة، وما سبق سيؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية وبنسبة تصل إلى 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهذه الفئة من كبار السن فوق الستين عاماً، كانت نسبتهم 4.5 % أو مليوناً ومئتي ألف في 2010، وسترتفع إلى 8 % أو مليونين وتسع مئة ألف في 2025. انخفاض أعداد المواطنين الشباب في سن العمل وارتفاع معدل الوفيات، بدون تعويض، يأتي بمثابة الكابوس، وقد يؤدي إلى كوارث اقتصادية، لأن الشباب يوفرون الموارد البشرية المطلوبة لاستغلال الموارد الطبيعية وابتكار الافكار والحلول، ويعملون على زيادة الإنتاج والاستهلاك الداخلي في الدولة، وعلى تحريك الانشطة الاقتصادية والنمو الاقتصادي، والمملكة تحتاج إلى استراتيجية وطنية عاجلة، تضع في أولوياتها تحفيز السعوديين على الزواج المبكر وكثرة الإنجاب.