لا أبالغ إن قلت إن الثراء أصبح معضلة المجتمع الإنساني، وأكبر مشكلة فكرية يعاني منها إنسان الحاضر هي فكرة الثراء، والثراء الفاحش أياً كان مصدره ومهما كانت التنازلات! الكثير من المال والناس والحب والرخاء والصحة والسيطرة والعلم وغيرها من أوجه الحياة، الكثير منها والقليل جداً من العمل الجاد لأجل حصولها بطرقها الصحيحة، وهذا ما سيقود الإنسان إلى التطرف والظلم والأنانية وفرط الفردانية وانتهاك الآخر تحت ذريعة تأويلات مادية لا تستقيم مع أبجديات المنطق والأخلاق، وهذه المعضلة لا شك ستغير قيم المجتمع وثوابته، وتجعل أهله ينظرون للحياة كساحة حرب لا بد فيها من منتصر ومغلوب، فيتحول المال إلى صنم يُعبد ويقدس ويدافع عنه بكل حيلة! الرغبة في البقاء تُعد فكرة تطورية «تكيفية» ولها أوجه متعددة لتحقيقها واقعياً، ومن الطرق المناسبة للفكر الإنساني المعاصر؛ الحصول على الكثافة في كل شيء، والتميز بالامتلاك من كل شيء، وما دام الفكر موجهاً بهذه الطريقة فهو حتماً سيلغي الغيبيات التي هي القيم والعادات والتقاليد والقوانين العرفية والثقافة الدارجة، وهذه ستكون ملاحظة في أي مجتمع تنتشر فيه ثقافة الكثافة، وهذا مؤشر خطير على تفكك هذا المجتمع في المستقبل القريب، ونهاية التاريخ عنده، وعند العودة لتأمل تاريخ الإغريق والفراعنة والرومان وإلى ألمانيا والاتحاد السوفيتي وقريباً أميركا، سيدرك هذا. هذه ليست دعوة للزهد أو الابتعاد عن ملذات الحياة وتكثيف متعها، لكنها دعوة إلى تقنين المكتسبات المادية، والعلاقات الاجتماعية، وكيفية النظر إلى الفائدة أكثر من اللذة، وهذا ترجيح وليس إلغاء. الثراء الحقيقي يتكون من الذات ويعود إليها، ويحث على مصادقة الحياة بكل ما فيها، والبعد التام عن ما يجعل الفرد نسخة من الكتاب الرديء!