قال الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد -في خطبة الجمعة من الحرم-: الحياة مع الإخوة في بيت الوالدين نعمة عظيمة، وصلة حميمة، يتبين جمالها، ويظهر الحنين إليها حينما ينتقل الأخ إلى بيت الزوجية فتنبعث الأشواق إلى إخوانه وإلى منزل والديه، مأدبةِ الطعام المشترك، ومشاركة الحياة في العواطف، وأحاديثِ المودة، وارتفاع الأصوات وانخفاضها في انسجام، وأخذ ورد، وعفو، وتسامح، وعطاء وتغافل، والتماس للأعذار، بيئة كريمة تصان فيها الحقوق، وتغرس الفضائل، توقير للكبير، ورحمة بالصغير، واحترام للند والمماثل. وبيّن أن من أعظم الآيات تعامل يوسف مع إخوته في جميع مراحل حياته وابتلاءاتها، في بأسائها ونعمائها، فاصبروا -رحمكم الله- كما صبر، واعفوا كما عفا، وأحسنوا كما أحسن، مؤكداً على أن المرء مهما بلغ من المنزلة ولو كانت النبوة لا غنى له عن دفء الأخوة، لهذا حينما عظمت المهمة لدى موسى عليه السلام، وقد مرت به من الشدائد والكروب، وقد فر من قومه للذنب الذي اقترفه، وغاب في فراره سنين عددا، فلما جاءته مهمة النبوة، حينئذ سأل موسى ربه العون، بل علم أنه ليس له بعد الله إلاّ أخوه. وأوضح أن من الخسارة والغبن أن لا تعرف مكانة أخيك إلاّ بعد أن تفقده، نعم تفقده إمّا بموت، أو بسبب مطامع الدنيا، فتبقى وحيداً لا تقدر على شيء، كم من أخ بكى على قبر أخيه متمنياً لو اصطلحا قبل لحظة الفراق، مبيناً أن الحفاظ على الأخوة في قوتها ومتانتها تحتاج إلى عقل، وحكمة، وصبر، وتحمل، وتضحية، لا تقابل تصرفات إخوانك بالتحليل والتدقيق، فأغلبها أو جُلُّها عفويةٌ تلقائية لا تقبل التحليل ولا التعمق. وأفاد أن من الكمال والجمال والمروءة أن تُظْهِر افتخارَك بإخوانك، وبما يمتازون به من فضل ومكانة، أخبارك وأحوالك ينبغي أن تصل إلى إخوانك عن طريقك لا عن طريق غيرك بعد تقدير المصلحة في ذلك، فلا تكن كثير اللوم، والنقد، والعتاب، والاستقصاء، والتشكي، واعلم أن كثرة العتاب طريقُ النفرة والاجتناب. وأكد على أن حقيقة الأُخوَّة مودة في القلب، ولطف باللسان، ورفد بالمال، وتقوية بالأدب، وحسن الذب عن العيب، الأخوة الصالحة تورث المجد، والإيثار، وتبعد الحسد، والشحناء، والغل والقطيعة. وقال: الأخوَّة نعمة تصان بالرعاية، وتحاط بالعناية، وتحفظ عن المكدرات، وتحرس عن المنغصات، الأخوة أنس في الوحشة، ونور في الظلمة، وفرح في الحزن، واستعيذوا بالله من إخوة بينهم شحناء، وعداوةٌ وبغضاء، وغلظة وجفاء، قطيعة شنيعة، وفرقة فظيعة.