بين الحين والآخر تبوح الذاكرة بما حفلت به سنين العمر في الزمن الماضي، تبوح بالذكريات الممتزجة بالحنين، والشوق، والوجد، وكلما زاد الإنسان حنيناً وشوقاً ووجداً كلما تذكر المواقف التي لها ذكرى عاطرة في حياته، أو ما يسكن داخله. وعبر صفحة "بوح الذاكرة" ننطلق إلى عوالم المُبدعين، نحاول أن نستنطق ذكرياتهم، أفكارهم، أعمالهم.. مع مشاهد ومراحل من مسيرة حياتهم العملية والمهنية.. حوارنا اليوم مع الأديب سعد عبدالله الغريبي للحديث عن بوح ذكريات طفولته التي عاشها من دون اختياره، وسبب عدم خروجه للعب مع أطفال الحارة، وكتاباته الشِّعرية المبكرة، كما تحدث شاعرنا عن دكان جدّه ومجلس والده، ورحلته مع الكتاب. بدأت طريق الأدب بإيقاعات مختلفة لكل إنسان طفولته التي عاشها فما أبعاد الطفولة لديك من الشوق والحب، وهل تحققت الطموحات؟ * الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان، لأنها الأساس الذي يبنى عليه ما تبقى من حياة. والمرء في هذه المرحلة لا يملك اختياراً ولا تقريراً لمصيره، ولذلك يحمِّل التربويون والمجتمعيون الوالدين والمجتمع مسؤولية تنشئة الطفل تنشئة تلهمه في قابل أيامه. ولما كانت اليد العليا للإرادة الإلهية كان كل ما يبذله الآباء والمجتمع اجتهادات. أستطيع أن أقول إنني عشت طفولة غريبة نوعاً ما، فلم يكن في البيت الكبير الذي نشأت فيه أطفال ذكور ألعب معهم، ولم أخرج للعب مع أطفال الحارة، لا أدري أهو اختياري، أم إرادة أسرتي. ولذلك كان البديل أن أعيش مع الكبار. كان من العيب آنذاك أن يبقى الرجل في البيت بعد العصر مطلقاً، فكان الناس يخرجون للسوق، يتجولون، ثم يستقرون في أحد الدكاكين التي يجدون متعتهم في الجلوس مع أصحابها والمارين عليها. وكان دكانُ جدي مجلسَ أبي ومجلسه كل عصر. نجد في أشعارك مفردات الحنين والشوق والحرمان.. فما أسباب ذلك؟ * لعلك أول من لاحظ هذا ممن قرأني واستمع ليحاورني وكتب عني، وهو صحيح بالنسبة لديوانيّ الأولين، وربما يعود ذلك لأنهما تضمنا كثيراً من كتاباتي المبكرة، وإن كانا متأخري النشر. ولتأثري بقراءاتي المبكرة لشاعر العراق أحمد الصافي النجفي، ولحياة الشابي وشِعره ولشعراء الرومانسية.. توفي أبي مع دخولي المرحلة الثانوية، بعد أن وضعت قدميَّ على أول طريق الثقافة والأدب، وظللت منتهجاً هذا الطريق بإيقاعات مختلفة متباينة السرعة، حسب الظروف والمزاج. حدثنا عن ذكرياتك مع مكتبك الخاصة؟ * ورثت مكتبة أبي، وكانت -في نظري- كنزاً لا يقدر بمال. وظللت وفياً على عادة أبي في اقتناء الجديد والطريف؛ ولا سيما مجلة العربي، التي لم تنقطع عن مكتبتي إلا منذ وقت يسير. كان أول الكتب التي قرأتها في المرحلة المتوسطة هو «بلال بن رباح» لعبد الحميد جودة السحار. كيف كانت البداية مع الكتابة؟ ومن له الفضل في صقل موهبتك؟ * في القسم العلمي بثانوية معهد العاصمة النموذجي -كنت قد بدأت الخربشات الكتابية- تلقفني أستاذان جليلان، وشاعران معروفان، هما: ضياء الدين الصابوني، وأحمد فرح عقيلان -رحمهما الله- صقلا لغتي وإنشائي؛ فبدأت كتابة المذكرات الشخصية، أسجل فيها ما يعن لي من مواقف وخواطر ساذجة، وكتبت الأغاني والقصائد خفيفة الأوزان. وبتأثير هذا الشحن الأدبي كان لا مفر من أن أتوجه لقسم اللغة العربية وآدابها، ولم أجد ما يقبل خريج القسم العلمي إلا كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة التي انضمت فيما بعد لجامعة الملك عبدالعزيز، ثم استقلَّتْ بمسمى أم القرى، فتخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكنت الأول على دفعتي في السنوات الأربع. وكان لي اهتمام بالبحوث اللغوية والأدبية إبان دراستي الجامعية وبعدها، فكتابي المعنون «شاعر هذيل والمتحدث الرسمي باسم القبيلة: دراسة في سيرة أبي ذؤيب الهذلي» الذي نشرته عام 1996 كان أحد هذه البحوث. دخلت غمار الحياة العملية مدرساً في المرحلة المتوسطة بالرياض. ثم أوفدت للتدريس بالجمهورية اليمنية لمدة أربع سنوات، وسجلت مذكرات هذه الرحلة في كتاب نشره نادي الأحساء الأدبي سنة 2017 بعنوان: «بكالوريوس تربية يمنية». بعد عودتي من اليمن أعيرت خدماتي لمكتب التربية العربي لدول الخليج، وفي الوقت نفسه أكملت مرحلة الماجستير في علم اللغة التطبيقي في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. عملت في مكتب التربية رئيساً لوحدة المطبوعات والنشر فكانت تجربة ثقافية ثرية. كنت مسؤولاً عن مراجعة مطبوعات المكتب التربوية والثقافية وتدقيقها قبل نشرها. وبين الدول العربية تنقلت ممثلاً للمكتب في معارض الكتب التي شارك فيها، كما أتيحت لي الفرصة لزيارة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس، ومنظمة «اليونسكو» في باريس، ودار هاشيت للطباعة. وعدت بعد ذلك لوزارة التربية مشرفاً لمادة اللغة العربية، ثم انتقلت إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني مديراً لإدارة الأبحاث والمناهج، ومشرفاً عاماً للغة العربية، فأتيحت لي مشاركة تأليف مقررات اللغة العربية للمعاهد الثانوية التابعة للمؤسسة مع الأستاذ الدكتور عبدالله الخثران -رحمه الله- والدكتور سالم القرزعي. وبدأت الكتابة في الصحف المحلية، كالرياض والجزيرة ومجلة اليمامة في المجالات اللغوية والثقافية والأدبية والاجتماعية والتربوية، وكان لي في الجزيرة عمود أسبوعي بعنوان «مساحة تربوية» عام 1990. والآن أكتب بانتظام في الجزيرة الثقافية واليمامة ومجلة فرقد الإبداعية الإلكترونية. ماذا تتذكر عن مشاركاتك في البرامج الإذاعية؟ * شاركت في إذاعة البرنامج العام بالرياض في برنامج «نسيم الصباح» ببعض الخواطر عام 1986، وأُجريت معي لقاءات في برنامج «سهرة على ضفاف الخليج»، وبرنامج «كتاب وقارئ» من إعداد وتقديم الأستاذ إبراهيم الذهبي وذلك عام 1987. كيف كانت بداياتك مع الطبع والنشر؟ * مرت السنوات لم أطبع سوى رسالة الماجستير بعنوان «الأصوات العربية وتدريسها لغير الناطقين بها من الراشدين» عام 1985، ثم كتاب «شاعر هذيل» عام 1996، ولم أكن حريصاً على النشر لعدة أسباب؛ منها أن النشر مكلف. والسبب الثاني أنني كنت شديد المحاسبة لنفسي، وما أكثر ما أتلفت من نصوص، لظني أنها لا ترقي لمستوى النشر. والثالث أن معظم قصائدي وخواطري وجدانية عاطفية، وكنت أرى مكان هذا البوح الصدور لا السطور.. قبل ظهور الفيسبوك بسنوات أنشأتُ مدونة ضمن مدونات مكتوب، أسميتها «الملاح التائه» تيمناً بالشاعر الرومانسي صاحب هذا اللقب علي محمود طه. في المدونة نشرت خواطري وقصائدي وقصصي القصيرة التي كنت أكتبها إلى جانب الدراسات الأدبية واللغوية والاجتماعية، ومذكرات السفر والسياحة، وبعد إلحاح كثير من قرائي جمعت ما كتبته من دراسات أدبية في كتاب «لكل شاعر حكاية» وأهديته لأصدقاء الحرف في «مكتوب» لأنهم كانوا وراء ظهوره للنور، وصدر في بيروت بتنفيذ دار الرمك في ديسمبر 2011. واصلت الكتابة والنشر، وكثرت مؤلفاتي حتى بلغت العشرين، غير ما هو تحت الطبع. وتنوعت بين كتاب في اللغة، ودراسة أدبية، وديوان شِعري ورواية، وخاطرة وأدب رحلة. وكان لكل كتاب قصة أو سبب لظهوره. حدثنا عن مشاركات الأدبية في الخارج؟ * من خلال معارض الكتب، والفيسبوك تعرفت على العديد من الشعراء في الوطن العربي الكبير والمشرفين على تنظيم المهرجانات الشعرية، فدعيت لمهرجان «ناشرون» الأردني في دورته الأولى عام 2012 ومنحت عضويته، وشاركت في دورتيه التاليتين عامي 2013 و2014 وتوقف بعد هجرة منشئه الدكتور طلال الراميني إلى كندا. وشاركت في القاهرة سنة 2012 في مهرجان لرابطة إبداع العالم العربي والمهجر التي مقرها باريس، وحصلت منه على عضوية شرفية. كما دعيت في عامي 2012 و2014 إلى مهرجان «تيفلت» للشِّعر بالمملكة المغربية. ومن حسناته أن تعرفت على الشاعر والمترجم الفلسطيني نزار سرطاوي الذي اصطفى بعض قصائدي ومقطوعاتي وترجمها إلى اللغة الإنجليزية، بعنوان «الغصن الندي- «The Bedewed Bough وأكرمتني رابطة الكتاب الأردنيين بنشرها، وبإقامة أمسية شِعرية، وحفل توقيع للمجموعة. وفي عامي 2014 و2015 دعيت لمهرجان الدبلوماسية الثقافية في الرباط، ثم مهرجان القصيد الذهبي في الحمامات بتونس، وفي عام 2016 مهرجان الصالون الأدبي للقصيدة العمودية بقابس، ثم شاركت في مهرجان التواصل بين الشعوب الذي أقامه صالون بنت الحجاز في القاهرة في دورتين متتاليتين عامي 2016، 2017، كما شاركت سنة 2017 في ملتقى عيون الأدب العربي بمدينة العيون المغربية، وفي العام نفسه شاركت في ملتقى الخرطوم للشعر العربي والإفريقي. وفي عام 2018 شاركت في مهرجان إسكندرية الدولي للإبداع الأدبي، ودعيت لدورة سنة 2020 إلا أن جائحة كورونا حالت بيني وبينه. وكان لي شرف المشاركة داخلياً في إحدى أمسيات مهرجان الجنادرية الشِّعرية في دورته «33» التي أقيمت بنادي جدة الأدبي في ديسمبر 2018، وشاركت في قافلة ثقافية نظمتها مؤسسة المكي مورسيا الدولية للثقافة ما بين 16-21/10/2019. شرَّف حفل افتتاحها في ضاحية «فوينلابرادا» جنوبي مدريد، سفير خادم الحرمين الشريفين في إسبانيا؛ سمو الأمير منصور بن خالد بن عبدالله الفرحان. وكان هدف الرحلة غرناطة وقرية «فالديروبيو» التي تضم منزل شاعر إسبانيا؛ «لوركا» الذي تحول إلى متحف خاص بآثاره، وقد حييت لوركا بقصيدة ضمن أمسية شِعرية للمشاركين. هل لديك طقوس لتهيئة كتابة الشّعر؟ * ليس لي كاتب قدوة ولا شاعر، فقد كنت وما زلت أقرأ ما أستحسنه مما يقع بين يدي، وليس للكتابة عندي طقوس معينة فلا قهوة ولا سجائر، وليس لها مكان وزمان، فلا نهرَ ولا جبل، ولا واحةَ ولا رمل. هناك ساعة إلهام؛ فيها يهبط على الشاعر والكاتب الإبداع، ولا جدوى من تهيئة الطقوس وانتظار اللحظة الحاسمة.. وقد عبرت عن هذه اللحظة في قصيدة «الساعة العاشقة» وجهتها لمن يستبطئ هطول القصيد، أقول في مطلعها: سالت القصيد: متى نلتقي؟ فقال لدى الساعة العاشقة ففي ساعة العشق ينهمر القصيد بلا نذر سابقة فإن شارف الوقت يا سيدي تقدم بخطواتك الواثقة. الضيف في مهرجان العيون بالمغرب لأدب الرحلة عام 2017 الغريبي بين مقدم الأمسية د. سعيد العلمي والشاعرة آنا التي تقرأ الترجمة الإسبانية في متحف لوركا شهادة الصف الثالث الابتدائي للضيف وقد حصل على الترتيب الأول عام 1379 خطاب شكر من مساعدة مدير جامعة الكويت