تمتلك الهوية الوطنية أهمية كبرى في تحقيق الاستقرار داخل المجتمع، بحيث تعمل على توحيد جميع الفئات المختلفة في الدين أو العرق أو اللغة تحت قوانين وأنظمة ثابتة تتبع للوطن الذي تعيش فيه الجماعات المختلفة، مما يحقق الاستقرار وتوحيد كل الأفراد في أمة واحدة وتبني رابطة بين جميع أفراد المجتمع، وقد بدأ الاهتمام بتعزيز الهوية الوطنية في بلادنا منذ الخطوات الأولى للتأسيس حيث رسخ المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- هذه المبدأ وعمل على توطينه في النفوس، ونشر العدل والمساواة بين كافة أفراد شعبه، وهيأ لهم الحياة المستقرة والرغيدة ونشر الأمن، وأوجد الخدمات في كل شبر من البلاد كالتعليمية والصحية وغيرها، ووحّد القلوب على التسامح والتآخي والمحبة، كما أن الزي السعودي وهو الثوب والغترة أو الشماغ والعقال و»المشلح» كان زياً رسمياً للبلاد منذ توحيد المملكة وحتى اليوم، وهو جزء من الهوية الوطنية التي يتميز بها ساكنو هذه البلاد، وقد صدرت أوامر بوجوب الالتزام بهذا الزي الرسمي والتقيد به عند مراجعة الدوائر الحكومية أو ارتياد المدارس والجامعات، كما تعد العرضة السعودية من أبرز الفنون الشعبية في المملكة، وتُؤدى في المناسبات الوطنية والخاصة، وقد كان لها حضورها منذ انطلاق ملاحم التوحيد على يد المؤسس الراحل الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه– وبذلك باتت رمزًا ثقافيًا عريقًا يُفتخر به، ويحرص على تأديتها ملوك المملكة -رحمهم الله– وُيستقبل بها كبار ضيوف الدولة من رؤساء دول وغيرهم، وأصبحت رمزًا للثقافة السعودية التقليدية، وفي عام 2015م تم إدراج العرضة في قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. تعزيز وأولوية وظل العمل في تعزيز الهوية الوطنية يتنامى في كل العهود، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– سعت حكومتنا الرشيدة في تعزيز الهوية الوطنية بأن جعلت منها أولوية في رؤية المملكة 2030، وذلك من خلال برنامج تعزيز الشخصية السعودية 2020، الذي يعد أحد البرامج التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من ضمن عشرة برامج تم طرحها كرؤية يشرف المجلس على مراقبتها وتنفيذها بحلول عام 2020م، لتحقيق رؤية المملكة 2030، ويعنى البرنامج بتعزيز الهوية الوطنية للأفراد، مستندة على قيم إسلامية ووطنية، كما يعزز البرنامج الخصائص الشخصية والنفسية التي تساعد على تحفيز الأفراد وتقودهم نحو النجاح والتفاؤل، وتسعى المملكة عبر هذا البرنامج لخلق جيل يتماشى مع توجهاتها السياسية والاقتصادية، وعلى قدر من الوعي للوقاية من كافة المهددات الأمنية والاجتماعية، إضافةً إلى الثقافية والإعلامية وكذلك الدينية، كما يتطلع برنامج تعزيز الشخصية السعودية إلى تصحيح الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية خارجياً. قوة ترابط وللهوية الوطنية أهمية كبرى للمجتمع والدولة، إذ تعمل كقوة تربط بين أفراد المجتمع وتحميه من الانقسامات، بحيث يحصل كل فرد على حقوقه ويتمتع بالرفاهية داخل مجتمعه بناءً على هويته الوطنية وبغض النظر عن وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو الدين والعمر، وما إلى ذلك من الفروقات الفردية، وتعرف الهوية الوطنية بأنها الشكل القومي للحياة التي يعيشها الفرد داخل مجتمعه بشكل غير طوعي أو مختار من قبله، ويتحكم في الهوية الوطنية بعض السمات مثل اللغة والأخلاق والعادات المجتمعية الموجودة في المحيط وهي مرتبطة بالقومية، والفرق بين الهوية الوطنية والهوية الشخصية هو أن الهوية الشخصية هي التي تميز الفرد عن غيره من خلال سماته الشخصية وثقافته وميوله وما إلى ذلك وهي باختياره، وتتحكّم الهوية الشخصية في ظهور الانتماء الطوعي لدى الفرد وهو ما يعزز الهوية الوطنية، وقد وضع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية 25 هدفاً لبرنامج تعزيز الشخصية السعودية منها مباشرة وغير مباشرة، ومن الأهداف المباشرة ترسيخ قيم التسامح والوسطية والعدل بالإضافة للشفافية والمثابرة وتعزيز الانتماء للوطن، وإيماناً بأهمية تعزيز الهوية الوطنية فقد كان لها نصيب من الاهتمام في برامج رؤية 2030، ومن الأمثلة على ذلك إقامة فعاليات المؤتمر الدولي للهوية الوطنية في ضوء رؤية 2030 والذي انطلقت فعالياته في شهر جمادى الآخرة من عام 1441ه برعاية وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، وبمشاركة 34 متحدثًا من داخل المملكة وخارجها، وأوصى المؤتمر الدولي للهوية الوطنية في ضوء رؤية المملكة 2030 الذي نظمته جامعة شقراء في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض في ختام جلساته العلمية بالاعتزاز بالدين الإسلامي والحضارة الإسلامية وتاريخها، والمحافظة على اللغة العربية، كونها مقوماً أساسياً من مقومات هويتنا، والعمل على سيادتها وتفردها بالحب والولاء، والتأكيد على ما جاءت به رؤية المملكة في الحفاظ على المنظومة الفكرية والنظام الأخلاقي في المجتمع السعودي، كما جاء في التوصيات ضرورة التأكيد على جميع القطاعات الوطنية التعليمية وغير التعليمية، ومراكز الأبحاث بمحورية التراث والتاريخ الوطني في تعزيز الهوية الوطنية، وإعادة بناء مناهج التاريخ الوطني بما يضمن سلامة محتواه، وجوانب إسهامه في تعزيز الهوية الوطنية، ودعم التعاون بين الجامعات ودارة الملك عبدالعزيز، لاستثمار المخزون الوطني التاريخي لتعزيز الانتماء الوطني، وحث المتخصصين الأكاديميين في التاريخ والتراث والثقافة في الجامعات السعودية على الإسهام في نقل المعرفة الوطنية إلى جيل الشباب وفق وسائل التواصل الحديثة، ومراجعة التخصصات في أقسام الدراسات الإنسانية في الجامعات السعودية وتطويرها، لتخريج جيل قادر على العمل في المشروعات الوطنية الجديدة في مجالات التراث والثقافة. تنمية قدرات وتناولت توصيات المؤتمر الدولي للهوية الوطنية دور الأسرة السعودية الرئيس في تكوين الشخصية، وتنمية قدراتها العقلية والجسمية والنفسية، والقيام بمسؤولياتها الوطنية والتوجيه الصحيح نحو غرس وتعزيز قيم الهوية الوطنية، والعمل على إيجاد آلية لتنظيم التعاون المشترك بين الجهات المعنية كافة بتنشئة ورعاية الأطفال والشباب، لوضع الخطط والبرامج اللازمة لتنمية روح الولاء والانتماء الوطني، كما تناولت تطوير المنظومة التعليمية والتربوية بجميع مكوناتها -السياسات والأهداف، المناهج، الأنشطة وطرائق التدريس، التقويم- في ضوء تحديات القرن الحادي والعشرين العلمية والتكنولوجية، بما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية، إضافةً إلى توظيف الإعلام في تعزيز الهوية الوطنية لدى مختلف أفراد وفئات المجتمع السعودي، وحمايتهم من المحتويات الإعلامية التي تحمل أفكاراً هدامة تسعى إلى التأثير على الهوية الوطنية بالتشكيك في المعتقدات والقيم والثوابت، وعناية مؤسسات التعليم العالي والعام بتفعيل الإعلام الجامعي والتربوي عامة في نشر القيم الإيجابية المعززة للهوية الوطنية، وكذلك تحويل الملحقيات الثقافية السعودية بمختلف دول العالم إلى مراكز ثقافية حضارية، لأجل هدف نهائي يتمثل في تقديم وجه حضاري وثقافي وإعلامي للمملكة، واختتم المؤتمر جلساته العلمية بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين، حيث تناولت الجلسات محورين هما دور القطاعات التعليمية والمؤسسات الوطنية الأخرى في تعزيز الهوية الوطنية والتجارب العالمية والرؤى الاستشرافية في مجال تعزيز الهوية الوطنية، وشارك فيها مجموعة من الباحثين من داخل المملكة وخارجها، بالإضافة إلى أربع ورش عمل، وفي ختام المؤتمر رفعت الجامعة والقائمون عليها الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على ما تحظى به الهوية الوطنية السعودية من رعاية سامية وتوجيه مستمر، للحفاظ على سماتها العربية والإسلامية وتراثها وثقافتها وأصالتها، ولوزير التعليم على موافقته إقامة المؤتمر ورعايته. زي سعودي والزي السعودي الرسمي هو اللباس الذي يعبر عن هوية المواطنين في المملكة، وتشكل ليتماشى مع الظروف البيئية والمناخية المختلفة، وهو متشابه في بعض عناصره مع الزي المنتشر في معظم دول الجزيرة العربية، ويختلف في التفاصيل ويتصف بأنه فضفاض ومتعدد القطع وأحياناً يكون اللون الأبيض هو السائد في غالبية عناصره، ومن الزي «الطاقية» والتي تلبس على الرأس وتكون بمقاسه، وتلبس عادة من أجل أن يوضع فوقها الشماغ بلونيه الأحمر والأبيض أو الغترة البيضاء، ويلبس «العقال» وهو قطعة سوداء دائرية الشكل توضع على الرأس لتثبيت الشماغ أو الغترة، ولا يدخل في الرأس بل يثبت عليه، أما البشت -المشلح- فيلبس بعد ارتداء الزي السعودي كاملًا، كما يلبس في الأعراس والمقابلات الرسمية ذات الطابع الخاص، كما يلبسه الملوك والأمراء والوزراء، ويلبس المواطنون الزي السعودي في حياتهم اليومية، وأثناء عملهم، وفي المناسبات المختلفة والأعياد، وتوصي الأنظمة الرسمية في السعودية المواطنين بارتداء الزي السعودي الرسمي أثناء مراجعة الدوائر والمصالح الحكومية. خمسة عوامل ونظراً لأهمية الهوية الوطنية فإنه يتم المحافظة عليها من خلال تعزيز خمسة عوامل أساسية موجودة في كافة المجتمعات، وهي: أولاً: تعزيز المفاهيم الأساسية للانتماء، ويتم ذلك من خلال مشاركة جميع فئات الشعب جنبًا إلى جنب في مواجهة التحديات المختلفة مثل التشتت والتفكك، وهذه المشاركة أحد عناصر الهوية الوطنية التي تسهم في تعزيز الهوية الوطنية لدى الشعوب. وثانياً: الثقافة ويكمن دورها في تعزيز الهوية الوطنية في أنها تعمل على زيادة الوعي والتماسك المجتمعي وتسهم في بناء هوية وطنية قوية وبناء مجتمعات مستدامة وواعية. وثالثاً: الوحدة وتعمل على تقليص الاختلاف بين الأفراد وغرس روح العطاء في المجتمع دون توقعات ودون مقابل. ورابعاً: إبراز دور المواطنين من خلال تعزيز الأعمال والإنجازات التي يقوم بها المواطنون والحفاظ على مخرجات الدولة ومنتجاتها، وأخيراً تحقيق التوازن بين المواطنين والوافدين، ويسهم حدوث التوازن بين الوافدين والمواطنين الأصليين في تعزيز روح الانتماء وتقوية الهوية الوطنية لدى الأفراد، وتقوم بلادنا بتعزيز الهوية الوطنية على الدوام للمحافظة عليها على مر العصور، ومن الأمثلة على ذلك الاحتفاء بالقهوة السعودية بوصفها منتجاً ثقافياً مميزاً للمملكة، حيث ترتبط القهوة بالإرث الثقافي للمملكة، عبر تاريخ حافل بالعادات والتقاليد، وقيم الكرم والضيافة، والحضور الإنساني والجمالي والفني في الأغاني والقصائد واللوحات، حتى أصبحت عنصراً رئيساً في الثقافة والموروث الشعبي السعودي، وعلامةً ثقافيةً تتميز بها المملكة، سواءً من خلال زراعتها، أو طرق تحضيرها وإعدادها وتقديمها للضيوف، ومن منطلق المكانة العالية لهذا الرمز الثقافي والوطني جاءت تسمية عام 2022م بعام القهوة السعودية، وذلك تعزيزاً لمكانتها محلياً ودولياً باعتبارها رمزاً من رموز الثقافة السعودية، وموروثاً أصيلاً. الزي السعودي الرسمي يعبر عن هوية المواطنين المملكة استضافت مؤتمر الهوية الوطنية الدولي القهوة السعودية عنصر رئيس في الموروث الشعبي رؤية 2030 حفّزت مشاركة الفرد في بناء الوطن المناسبات الوطنية ساهمت في الترابط المجتمعي حمود الضويحي