بادئ ذي بدء، من الجلي لكل من يملك البصر أو البصيرة أن مملكتنا الغالية باتت متأنقة، ومتألقة، تسير في ركب الحضارة، متفردة في محيطها الجغرافي، وتسابق الركب العالمي، ولم لا؟ ومن يملك لجامها وزمام أمرها خلاصة الحكمة وحماسة الشباب خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده -حفظهما الله-. في ظل الثورة الحضارية في مملكتنا الحبيبة نقف متأملين لأهم المرتكزات التي تحقق الحضور الحضاري بمفهومها الشامل والكامل، والممتد في شتى جوانب الحياة. فعند النظر في البيئات المجتمعية الإنسانية سواء الخاصة أو العامة؛ فإننا نجد أن بعض الأفراد في عالمنا اليوم، يفتقرون إلى المحرك والمرتكز الأساسي لتحقيق التطور الحضاري المخطط له. ويعتبر الرقي الأخلاقي في رؤية المملكة 2030 هو اللبنة الأولى للإسهام في التقدم الحضاري المرتقب لنصبح في مصاف المجتمعات الإنسانية المتحضرة التي حققت أعلى مقاييس جودة الحياة. فتعالوا نحدد ما هو المحرك الأساسي والحقيقي لعجلة الحضارة المجتمعية التي يفتقر إليه بعض الأفراد في كل مجتمع، فلا كمال ولا تماثل ولا اتساق في البشر، وهذا من جمال الاختلاف الذي يظهر جمال الضد. فالمحرك الأساسي باتفاق المنظومات الإنسانية العالمية هو "الرقي الأخلاقي" العلو والسمو والارتفاع والصعود في الأخلاق والسلوك من خلال مجموعة البصمات الفعلية المؤثرة في كل شيء حولنا، فالأعمال التي تنتج لنا منجزات حضارية، هي أعمال تتطلب قدراً كبيراً من الوعي الأخلاقي، وتحتاج إلى الكثير من الدقة والقدرة على الإتقان، كما يتجلى ذلك في النماذج التي سطرت لنا في التاريخ والحضارات السابقة، حيث أن الفعل الحضاري يرتكز على الالتزام الأخلاقي، ويجعل الإنسان مسؤولاً عن أفعاله وتصرفاته، مما يحمله على مراقبة ذاته، ويحرص على أن لا يصدر عنه إلا ما هو في غاية الكمال والجمال. حيث تتكشف لنا تلك العلاقة الوثيقة بين الرقي الأخلاقي والحضارة بجميع مكنوناتها ومتعلقاتها. فالرقي لا يقاس إلا ممن يقوم به ويذوق أثره، فمن يحمله فقد حقق نوعاً من السعادة الذاتية والتأثير المغاير. وهذه الحقيقة هي التي نريد تأصيلها وبيانها "العلاقة الوثيقة بين الرقي والحضارة"، فالحضارة هي احتياج إنساني صادر من الاستجابة العقلية لمطالب نفسية تحت ظروف بيئية، تتحقق عن طريق إيجاد الضروريات المادية والمعنوية من حولنا. فمن خلال تطبيق أخلاقي راقٍ له ديمومة وأثر يبقى ويمتد إلى الأجيال المقبلة لا يزول ولا يندثر مع تغيير الزمان. إن الرقي الأخلاقي ليس من ضروريات الحياة البيولوجية وبقاء النوع الإنساني فقط، بل هو سبب وجود الإنسان، وسبب وجود الباعث لحياته ومعناها، وسبب لبقاء جهده، وأثره، وذكره، وسبب لضمان تقدمه ورقيه في أعماله وإنجازاته عبر العصور، وهذه الحقيقة هي التي وثقها الشاعر عبر السنون بقوله: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا إن من المشكلات الحضارية عدم ربط نتاج الجهود الإنسانية المبذولة في إطار فكري ديني صحيح أو أخلاقي ممنهج، ترمي إلى بلوغ أقصى درجات الكمال والاتزان، فما صح أساسه صح مخرجه وأثره، ونفع وانتشر وخلد ذكره. فإننا عندما نربط بين ما تقدمه بعض الدول من قدرات اقتصادية بالغة وإمكانات مادية هائلة، وكوادر بشرية فائقة الخبرة العلمية والإنتاجية، ووسائل تقنية ومادية غير محدودة؛ نتعجب من عدم تقدم عجلة التنمية الحضارية وفق كمية المعطيات الضخمة في هذه الدول! ولكن عند وضع اليد على الآلام وتحديدها بدقة ووضوح بعيداً عن التورية، والمداهنة، والمداراة؛ فحينها نستطيع إزالتها بالعمل الدؤوب والاستمرارية والمصداقية في تحقيق العلاج النافع عن طريق تطبيق برامج حضارية تحت شعار"نرتقي بأخلاقنا لنرتقي بحضارتنا"، ولنثمر في تحقيق ازدهار اقتصادي، ورقي اجتماعي، وحضور إنساني، وبقاء تاريخي، فلا حضارة بلا أخلاق. والحضور الحضاري الأخلاقي لا يكون إلا بالتقدم الفكري والثقافي والتأهيل النفسي والديني والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي بمعطيات سلوكية وتصرفات أخلاقية صادرة بمواقف وأحداث مختلفة تسعد الفرد أولاً، وتسعد من حوله أثراً، ويدل على رقينا من عدمه بين المجتمعات على مستوى العالم، وكما هو مشاهد على أرض واقع مملكتنا الغالية جهود جبارة تذكر وتشكر من سعي دؤوب من المواطنين في جميع مؤسساتها، ودوائره في دفع عجلة التنمية المستدامة نحو المقدمة؛ لتحقيق الريادة والسمو والارتقاء العالمي.