يُعَد التعليمُ الجامعي المدخلَ الحقيقي لبرامج التنمية الشاملة، وهذا يحتاج منا نظرةً تطويرية مختلفة إلى شكل وأسلوب التعليم الجامعي، ففي الحقيقة تعليمنا الجامعي يواجه العديدَ من التحديات المستمرة والتي كتبتُ مؤخرًا عن بعضٍ منها؛ والتي من المهم إعادة النظر اليها من أجل حصول الخريجين على أفضل الوظائف في المستقبل وضمان مستقبل اقتصادي قوي. وهناك أمور أخرى أحببت أن أتحدث عنها اليوم، وهي أيضًا تحتاج الى مراجعة: منها خطر التركيز على الحفظ بدلًا من الفهم؛ خاصة في كليات العلوم والهندسة، وضَعف الاهتمام بتعليم الطلاب مبادئَ البحث العلمي، والتفكير خارج الصندوق. يجب أن نقر بأن لدينا ضعفًا في توفير البيئة الخصبة للتفكير الإبداعي وتطوير مهارات الطلاب؛ فعندما يفهم الطالب بدلًا من ترسيخ الحفظ لديه، يستطيع أن يحل المشاكل التي تقابله في المستقبل بطريقة أكثر ذكاء، ويكون قادرًا على الإبداع. أقول: لقد اهتم التعليم في الوطن العربي بتعبئة الرأس، وأهمل التفكير والتحليل، اهتم بالحفظ والاسترجاع، ولم يهتم بالخيال والإبداع، فمع الأسف نجد أن بعض أعضاء هيئة التدريس يركز على مبدأ الحفظ (حتى المعادلات واشتقاقها) بدلًا من أن يفهمها الطالب ويحللها ويعرف كيف يمكن أن يستفيد منها بعد تخرجه الجامعي، كما أن مخرجات التعليم الهندسي تركز بشكل كبير على حل الكثير من المعادلات الرياضية؛ ولكن في المقابل لا يستوعب الطالبُ المفاهيمَ والمبادئ الرئيسية في العلوم والهندسة ولا يملك القدرة على التحليل ولا على حل بعض المشاكل التي ربما تواجهه في الصناعة؛ وهذا بدوره لا يجهز الطالب لما بعد التعليم الجامعي ولا يتفق مع الاحتياجات الحقيقية للقطاع العام أو الخاص؛ ولذا فقد حان الوقت لكسر قواعد وطرق التعليم التقليدية لدينا؛ فالتفكير خارج الصندوق في التعليم ينمِّي عند الطالب المهارات العقلية وينمي العقل باتجاه التفكير الموسع الشامل، من هذا المنطلق أرى من المهم أيضًا ربطَ الظواهر والعلوم الطبيعية والحقائق بالواقع قدر المستطاع، والعمل سويًّا على إثارة الدوافع ورفع درجة الشغف لدى الطلاب. وفي الختام: طرق التعليم الجامعية الحالية لدينا لا تهيئ الطالب بالقدر الكافي للتحديات القادمة، ولكنها في المقابل ليست مشكلات مستعصية في الأساس، وأنا متأكد من إمكانية حلها مع تكاتف الجهود والخبرات الوطنية. وفق الله الجميع لما فيه الخير للبلاد والعباد. * باحث في علوم وهندسة المواد د. بندر عبد العزيز المنقور