تجتاز العلاقة السعودية - الأميركية منذ ثمانية عقود اختبارات صعبة ومتغيّرات جيوسياسية مستمرة تضرب الشرق الأوسط والعالم لتخرج أقوى مما كانت عليه في السابق، مضيفةً جوانب وسبلا جديدة للتعاون. وأتت زيارة سمو نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن، لتتوّج مرحلة جديدة من العلاقة التاريخية، حيث تزامنت مع عزم أميركي على أخذ مواقف عقلانية اتجاه الشرق الأوسط، وتوجّه جديد في إدارة بايدن الديموقراطية نحو قرارات أكثر انسجاماً مع الرؤية السعودية للتهديدات الإيرانية في المنطقة. ويقول نورمان راؤول، ضابط جهاز الاستخبارات المركزية "CIA" السابق، ل"الرياض" إن زيارة سمو نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن، وطبيعة الملفات التي تم تناولها عكست أهمية العلاقة السعودية - الأميركية ومدى رسخوها. وكشف راؤول عن زيارات مهمة ومستوى عالٍ من المحادثات عقدت في واشنطن بين الجانبين الأميركي والسعودي. وأشار راؤول إلى أن هذه المحادثات لا تبحث ملفات الوقت الحالي وحسب، بل ملفات بعيدة المدى حول استراتيجيات دفاعية مشتركة بين البلدين، وتناقش خططاً للأعوام العشرة القادمة ما يؤكد أنّ واشنطن تعلق أمالها بالعلاقة السعودية - الأميركية، ورغبتها ببقاء العلاقات راسخة وعابرة للتوجهات السياسية. ويتوقّع راؤول أن تقوم واشنطن بعدة خطوات للعمل على تعزيز العلاقة مع السعودية وتعزيز العوامل المشتركة بين البلدين بما في ذلك العمل على بناء منظومات دفاعية وأمنية مشتركة للتصدي لإيران، وضمان منع اليمن من أن يكون نقطة انطلاق أعمال إرهابية ضد في العالم. ويقول راؤول "تسارع الصحف الأميركية إلى محاولة تحليل أسباب التحسن الأخير في العلاقة السعودية - الأميركية، فهناك من يربط ذلك بملف النفط أو إيران أو اليمن، ولكن الحقيقة هي أن هذه العلاقة غير قابلة للاستبدال وهي أهم وأعمق بكثير من هذه الملفات". وأوضح راؤول "الولاياتالمتحدة مصرة على أن يكون تحالفها مع السعودية تحالفاً من الدرجة الأولى، مبني على الانفتاح باتجاه التعاون المشترك في كل المجالات والقطاعات التي تعاون فيها البلدان في الماضي، والبحث عن سبل التعاون في القطاعات التي يفرضها عصرنا الحالي دون أن يكون هناك حدود أو خطوط حمراء تمنع التعاون في أي مجال". مردفاً: هناك مؤشرات على أنّ التمسّك بهذه العلاقة ليس لأسباب أمنية أو اقتصادية وحسب، فتزامناً مع زيارة سمو الأمير خالد بن سلمان إلى عاصمة القرار الأميركي واشنطن، زار وزير الاتصالات السعودي عبدالله السواحه عاصمة التكنولوجيا العالمية "كاليفورنيا" حيث التقى بالرئيس التنفيذي لشركة "غوغل كلاود" وعدد من القيادات المهمة لشركة "غوغل" لبحث سبل التعاون المشتركة في تطوير حلول الحوسبة السحابية في السعودية. وأتت هذه اللقاءات في كاليفورنيا استكمالاً لإعلان "غوغل" في ديسمبر 2020 عن شراكتها الاستراتيجية مع "أرامكو"، حيث ستكون المملكة العربية السعودية مركز الحوسبة السحابية في المنطقة. ويرى راؤول أهمية كبرى في انفتاح الرياضوواشنطن على التعاون في قطاعات جديدة مثل "الطاقة الخضراء، والفضاء" ما يعكس رغبة البلدان بالمضي قدماً في البناء على هذه العلاقة التاريخية. من جانبه يقول ريتشارد شميرر، الدبلوماسي الأميركي السابق ل"الرياض" إن الأصوات الدبلوماسية الوازنة في واشنطن من الحزبين الديموقراطي والجمهوري طالبت خلال الفترة الأخيرة بإصرار كبير بإعادة الانسجام والوئام إلى العلاقة السعودية الأميركية لما لها من أهمية تجعلها حجر زاوية للسياسات الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. مضيفاً أن هناك محورا معاديا للعلاقة السعودية الأميركية، يسعى إلى شيطنة أميركا بعيون المجتمعات العربية والإسلامية، ويعمل بشكل حثيث في واشنطن على ضرب علاقة أميركا مع السعودية، ولكن تعدّت هذه العلاقات أزمات كبرى في الماضي وهذا ما يحدث اليوم حيث طالب عشرات المشرّعين الديموقراطيين والجمهوريين في إبريل الماضي بإعادة تقويم العلاقات السعودية - الأميركية ونبذ الأصوات المتطرفة الساعية لتخريبها. ويقول شميرر، مثل مرّات كثيرة في السابق، انتصر صوت الاعتدال في واشنطن وبدأنا نشهد اهتماما كبيرا بتحسين العلاقة بين الرياضوواشنطن. مضيفاً أن لقاءات نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، تعكس تفاهم عميق واستجابة حقيقية من واشنطن لمطالب السعودية في عدّة ملفات. ويشير شميرر إلى أن اجتماع نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، بسمو الأمير خالد بن سلمان يعكس حاجة واشنطن إلى العمل والتنسيق مع السعودية في ملفات أبعد من حدود الشرق الأوسط حيث تقود شيرمان اليوم مهمة البحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة في أوكرانيا. إيريك كوريلا، قائد جديد للقيادة المركزية للقوات الأميركية يدفع لتنسيق سعودي - أميركي لمواجهة إيران: تزامناً مع سعي واشنطن إلى تعزيز العلاقة الثنائية مع الرياض، يصل إلى منصب قائد القيادة المركزية للقوات الأميركية الجنرال إريك كوريلا الذي افتتح عهده بجلسة استماع في الكونغرس الأميركي أكّد فيها على ضرورة التنسيق والتعاون عن كثب مع السعودية لمواجهة ما وصفه بالخطر الإيراني الأكثر زعزعة لاستقرار الشرق الأوسط. ويرغب العسكري المخضرم كوريلا بفرض بصمة سياسية تتماشي مع رؤيته العسكرية للعلاقة مع السعودية والشرق الأوسط حيث يصف كوريلا الذي يقود "سينتكوم" والعلميات العسكرية الأميركية في 21 بلداً في الشرق الأوسط، العلاقة الأميركية - السعودية بالعلاقة الاستراتيجية والقوية الشاملة الممتدة لأكثر من 77 عاما. ويأتي كوريلا من خلفية غنية بالتجارب العسكرية في الشرق الأوسط حيث كان من القادة المشاركين في عمليتي درع الصحراء مع السعودية عام 1990، وعاصفة الصحراء لتحرير الكويت عام 1991. ويؤكّد كوريلا على أن الضرورة والمصالح المشتركة بين السعودية والولاياتالمتحدة تقتضي الاستمرار بتحسين العلاقة ليس فقط في الجانب العسكري بل في الجوانب التقنية والتعليمية والثقافية لتعزيز التعاون المشترك في الملفات الأمنية والعسكرية بما في ذلك مكافحة الإرهاب. وعزّز ظهور كوريلا مواقف أكثر تشدداً في البيت الأبيض تجاه التصعيد الإيراني، حيث يحثّ كوريلا واشنطن على الاستمرار بالتنسيق مع الحلفاء في الشرق الأوسط وفي مقدّمتهم السعودية.