تُعدّ المتاحف مرآة الأمم ونافذة الحاضر للزمن الذي مضى وانقضى، ومن أهم الوسائل التي تربط بين ماضي الشعوب وحاضرها من خلال الحفاظ على مخلفاتها وعرضها للأجيال الحالية. وهي في الواقع تجسد الذاكرة الجماعية للمجتمع وقيّمه، وتدعم الشعور بالهوية في زمن القلق والإحباط وزمن العولمة. واحدة من مرتكزات قوة المتاحف، وهو شعار الاحتفال بنسخة 2022 لليوم العالمي للمتاحف، قدرتها على تحقيق الاستدامة إلى جانب قدرتها على الابتكار الرقمي، وبناء المجتمع. إذ تمثل الاستدامة قيمة أساسية في قطاع المتاحف سواءً في ممارساتها أو علاقاتها مع المجتمعات المحيطة، ودورها في تحسين نوعية الحياة. من خلال تقاسم تعريف التنمية المستدامة الذي وضعته لجنة برونتلاند في عام 1987، يمكن القول: إن الاستدامة جزء من مهمة المتحف، والتي لا تقتصر فقط على الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، ونقله للأجيال المقبلة، ولكن أيضًا المساهمة في الرفاه الثقافي للمجتمع. ذلك أن المتاحف مثلها مثل غيرها من المنظمات، مطالبة بالاعتراف بسلوكيات مستدامة، مع إيلاء الاهتمام للقضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية. في جانب الاستدامة البيئية، فإن المتاحف تسعى الى تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، فضلًا عن إنشاء المباني الصديقة للبيئة، من حيث التدفئة والتبريد والنفايات وكفاءة الطاقة من خلال الالتزام بالمعايير العالية للإضاءة والتحكم في المناخ والسلامة والأمن؛ لضمان توفير ظروف أفضل للحفاظ على المجموعات والمقتنيات المتحفية، وتطوير أدوات لقياس الآثار الجانبية لأنشطة المتحف على البيئة، وتقليل النفايات واستغلال الموارد اللازمة لتطوير نشاطها، مثل: أنظمة ومواد البناء، والمعدات، والمياه، والورق. فما يرتبط البعد الاجتماعي للاستدامة ارتباطًا وثيقًا بوظيفة المتحف، فالمتحف المستدام هو الذي يخدم بشكل مستمر جماهيره ومجتمعاته، وجميع أصحاب المصلحة والأجيال القادمة. من خلال برامج اجتماعية وثقافية مستمرة، بمعنى مساهمة المتحف في رفاهية المجتمع من خلال البرامج والمعارض والأنشطة التعليمية والمؤتمرات وغيرها من الفعاليات التي تعزز الاستدامة. ويُعدُّ المتحف مستدامًا من الناحية الاقتصادية إذا كان يحسّن من أدائه، ليس فقط من أجل الحصول على تمويلات إضافية، والسعي لتنويع مصادر الدخل الخاصة به، ولكن أيضاً باستخدام موارده الشحيحة بشكل أفضل، والوفاء بمتطلبات الزائرين. من خلال هذا الطرح يمكن القول: إن سياسات المتحف المستدامة هي التي تخلق قيمة اجتماعية وثقافية واقتصادية طويلة الأجل للحفاظ على التراث الثقافي، وتحسين جودة الخدمات وتلبية متطلبات أصحاب المصلحة، وأن المتحف الذي نجح في خلق قيمة ثقافية لمستخدميه؛ يخلق قيمة اقتصادية لنفسه، ويجذب المزيد من الموارد لضمان الحفاظ على التراث الثقافي على المدى الطويل، وبالتالي، يمكن للمتحف -باستمرار تحسين أدائه- أن يبتكر عرضه، وأن يرضي جمهورًا جديدًا يزداد يومًا عن يوم، ويخلق فوائد للمجتمع المحلي، وتنمية الفرص الاقتصادية والمهنية، بالإضافة إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وجودة الحياة. * قسم إدارة موارد التراث والإرشاد السياحي