استقبلنا بسعادة الأمر الملكي السامي لخادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- بإنشاء هيئة تطوير الأحساء بناء على ما رفعه سمو ولي العهد –حفظه الله-، نظرًا لما تمثله محافظة الأحساء من أهمية كبيرة للمملكة؛ باعتبارها مركزًا اقتصاديًا وتجاريًا وثقافيًا وتراثيًا مهمًا، وكان على مدى قرون طويلة مركز إشعاع حضاري في الجزيرة العربية، نظرًا لكونه واحة خصبة؛ تمتلك كل مقومات الحياة من مياه عذبة وأرض خصبة ومناخ مناسب للزراعة أقدم حرف التاريخ، ما جعله موطن جذب للسكان الباحثين عن الاستقرار ومصادر الرزق. ولا تزال الأحساء تمتلك الكثير من المقومات التي تجعل منها مركزًا اقتصاديًا ومساهمًا أكبر في الاقتصاد الوطني، وهذا يفسر اهتمام القيادة الرشيدة وقرار إنشاء هيئة تطوير الأحساء، فمنذ صدور رؤية المملكة 2030 وهي تعمل على تنمية وتطوير جميع مناطق المملكة وتعظيم الاستفادة المثلى من الموارد البشرية والطبيعية والجغرافية وترجمة هذا إلى موارد اقتصادية تحقق أهم مستهدفات الرؤية المتمثلة في تنويع الاقتصاد وتنمية الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق التنمية المستدامة، وهوما تأكد من خلال النجاح الذي حققته هيئات التطوير التي أنشئت من قبل في: مكةالمكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وحائل، والشرقية، وعسير، والجبيل وينبع والعلا. ومن المتوقع أن يتم العمل على استغلال تنوع وثراء الأحساء التي تضم خليطًا متناسقًا من الأنشطة الاقتصادية المتنوعة كالزراعة والسياحة والصناعة والطاقة والخدمات اللوجيستية والاستراتيجية الحيوية، على أن تعمل الهيئة الجديدة على وضع استراتيجيات وخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى للنهوض بكل قطاع من هذه القطاعات، وأن ترسم المبادرات اللازمة وتعمل على متابعة تنفيذ الأعمال والمشروعات وفق المخطط المرسوم لها، وتتولى التقييم وقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي لها. وأرى أن محافظة الأحساء من المحافظات الواعدة في مجال الطاقة فإلى جانب أنها من المراكز المهمة لإنتاج الغاز والنفط، إلا أن التجارب المنفذة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة أثبتت نجاحًا يؤهلها لأن تكون مركزًا من المراكز المهمة لإنتاج هذا النوع من الطاقة النظيفة والمستدامة، بالعمل على تعزيز وتشجيع الاستثمار من قبل القطاع الخاص في هذا القطاع الواعد، خاصة مع التزايد الكبير في الطلب على استخدام الطاقة المتجددة؛ ما يفسح المجال لتوفير النفط للتصدير والغاز للصناعة ويحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الضارة بالبيئة، وفضلًا عن الاستفادة من فائض الطاقة بمد خطوط كهرباء الى الدول المجاورة، ما يعظم القيمة المضافة من هذه الاستثمارات. وأمام الهيئة الجديدة دور مهم في تعظيم الفائدة من القيمة الثقافية والحضارية والتاريخية للأحساء بتحويلها لمركز ثقافي وحضاري مهم، يستفيد مما تمتلكه الأحساء من مخزون ثقافي وتراثي رائع، فالبيئة الأحسائية واحة إبداع ثقافي وفكري، ومعروفة بتميز أبنائها في فنون الأدب والقصة والشعر والفنون التشكيلية والفنون الشعبية، فضلًا عن تميزها في مجال الحرف التقليدية والمشغولات اليدوية والأزياء التراثية، ما يعضد ذلك هو اختيارها من قبل منظمة اليونسكو كأكبر واحة في العالم في لائحتها لمواقع التراث العالمي في فرع التراث الثقافي، وتصدر "الأحساء" موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر واحة نخيل في العالم في 8 أكتوبر 2020، إلى جانب عضوية "الأحساء" في شبكة اليونسكو للمدن الإبداعية في مجال الحرف اليدوية والفنون الشعبية، ووجود الكثير من المعالم الأثرية والسياحية مثل: سوق القيصرية التراثي، والمدرسة الأميرية، ومسجد جواثي التاريخي، وقصر إبراهيم وبيت البيعة، وغيرها من المناطق، ما يؤهلها لأن تصبح مركزًا سياحيًا وتجاريًا مهمًا للمنتجات الإبداعية والتراثية. أيضًا من الممكن أن تلعب الأحساء دورًا مهمًا كمركز للخدمات اللوجيستية يخدم الحركة التجارية والاقتصادية بين المملكة وجاراتها كونها تمثل بوابة تربط السعودية بثلاث دول خليجية هي الإمارات وقطر وعمان، من خلال ساحل يمتد 150 كم على الخليج العربي، وبه ميناء العقير أقدم مواني المملكة الذي بالتأكيد على قمة أولويات التطوير ليصبح منفذًا تجاريًا مهمًا من الناحية الشرقية للمملكة، فضلًا عن توفر شبكة خطوط برية ومنافذ تربط المملكة عبر الأحساء بالدول الثلاث. كما أن الأحساء بما تمتلكه من مقومات الزراعة قادرة على أن تصبح مركزًا زراعيًا مهمًا يؤمن الغذاء للمملكة ويصدر فائضه من الخضروات الطازجة والفواكه لدول الجوار، مع توقعات بتطوير وتنمية زراعات التمور والصناعات القائمة عليها لتعظيم الفائدة من 3 ملايين نخلة تمتلكها واحة الأحساء يمكن أن تتضاعف بحسن الاستثمار، وتعظيم الاستفادة من القيمة المضافة لها.