يشير معنى العطاء إلى البذل والتضحية دون تقييد بمردود، وهذا داخل في الفضائل التي ينصح بها كل فرد، وكل متصف بها نجده مذكورًا بالخير في مجموعته، ونقيض هذه الصفة يولد ذكرًا سيئًا لصاحبه وتعزله الجماعة على قدر بعده عن العطاء. العطاء صفة متعدية ولازمة، فهو متعدٍ إلى الآخر الذي يشكل بنية التفاعل الاجتماعي، ولنا أن نستعير من جيل دولوز معنى الآخر الذي هو: «بنية نسقية بنيوية تساوي المجموع، وتتكون من مجموعة من العناصر المترابطة فيما بينها، وكل خلل في الجزء يؤدي بالضرورة إلى خلل في الكل»، وهذه المجموعة لا يمكن أن تستقيم من دون العطاء غير المشروط، بل الهدف والغاية منه هو تمام هذه المجموعة واكتمال نسقيتها ودوام عملها على أكمل وجه كي لا تتكون الثغرات التي ستسبب إشكالات تطال الفرد الذي فكر بأنانية. والعطاء لازم للفرد كي يشعر بوجوده، وينمي قدرته الذاتية التي من خلالها يكون فردًا قادرًا على البقاء بشخصيته المستقلة عن الآخر ومفاهيمه، فهو يوفر للفرد قدرة على الحرية بممارسة إنسانيته كما هي دون تقيد بغيره وتصرفاته ونقائصه، ويجعله حرًا في المشاركة بنقل فكرة جمالية ذهنية إلى الواقع من خلال العطاء من دون انتظار مردود، وهذا سيولد اكتمال نسقية الجمال عند الفرد، ويجعله قادرًا على صنع الجمالية بنفسه، ورؤية الواقع محسوسًا بعد أن كان ذهنيًا. العطاء يحرر الفرد من الأنانية والتملك، ويخرج مكبوتاته بطريقة صحية نافعة له ولغيره، شاعرًا بقدرته على صنع غيره وتغييره، قادرًا على صنع الحياة والمشاركة الفعلية فيها، متحررًا من الرذائل التي قد تتكون بسبب البقاء في سجن الأنا الذي لا يرى غيره، منعتقًا من ظلام الطمع والغيرة، وراسمًا لوحة جميلة تجعل الحياة أنقى. ولا يعني هذا إجحاف النفس وعدم إيقاف استغلالها لأن هذا سيؤدي بالضرورة إلى إضعافها داخليًا، فالعطاء متبادل وأقله السلامة من الضرر، والمعطي سيتولد بداخله قدرة على معرفة من يستحق العطاء ومن لا يستحق، وهو حينها سيميز ما يمكن أن يستمر وما لا يمكن.