يعتبر الفساد من الظواهر السيئة على مر العصور التي أصبحت ظاهرة خطيرة من ظواهر السلوك الإنساني، عانت من آثاره المجتمعات والحكومات منذ القدم، حتى أصبح وباء يهدد هذه المجتمعات، باكتساحها على نطاق واسع، وآفة ذات جذور عميقة، بأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، بمستويات متباينة تختلف من مجتمع إلى آخر، تبعاً لدرجة الوعي الديني والأخلاقي ومدى الالتزام بالمبادئ والقيم المجتمعية، ودرجة تطور المؤسسات الحكومية والقانونية. فالفساد الإداري والمالي يقوم على أساس الاستعمال السيئ للسلطة تحقيقاً لمنافع خاصة على حساب تطور المجتمع وتقدمه. فنجد أنها مرتبطة بشكل مباشر برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية بطرق غير مشروعة، ونشاهدها بشكل واضح وبصورة كبيرة في مجتمعات العالم الثالث وخاصة في مؤسساتها الحكومية، التي تسببت لها بأزمات اقتصادية واجتماعية، وتخلفها عن مسيرة التقدم والنمو، والذي يتمثل في المجمل انحرافات ومخالفات للقواعد والإحكام الإدارية والمالية التي تساهم في تنظيم سير العمل الإداري للحكومة ومؤسساتها. فهي تشكل أحد التهديدات الرئيسية للأجهزة الإدارية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء واتساع دائرته، فأصبح جزءًا أساسياً في المعاملات اليومية وتسلسل حلقاتها، والغموض الدي يطغى على الوسائل والأساليب التي يتم اتباعها من قبل الفاسدين، حتى أصبح الفساد الإداري والمالي مهدداً أساس لمسيرة التنمية ولمستقبل شعوب هذه الدول، وهو سلوك ذاتي سيئ ينعكس على الآخرين وتتم ممارسته من قبل الموظف الذي له سلطات بموجب القانون ويستغل الوظيفة العامة استغلالاً سيئاً بالاستجابة لتأثيرات مادية أو غير مادية فتتحول الوظيفة العامة من وسيلة لإدارة الشأن العام وخدمته ومن كونها تكليفاً وأمانة وطنية مقدسة إلى سلعة يتم المتاجرة بها لتحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة. للفساد الإداري والمالي مفهوم يعبر عن وجود خطأ في الإدارة وذلك بإخلال الموظف بواجبات وظيفته والثقة المشروعة لهذه الوظيفة وعن انحراف متعمد وعدم التزام بالأسس والقواعد المنظمة للعمل الإداري وبشكل خفي لأن أصحاب التعاملات غير المشروعة لهم مصلحة في إخفاء هذه التعاملات فهو مرتبط بضعف المؤسسة أو المنشأة وغموض القوانين وضعف الإدارة العليا والمساءلة في الإدارة الدنيا. وفي ظل انتشار هذه الظاهرة السيئة، وضعت الكثير من الدول إستراتيجيات وطنية للنزاهة ومكافحة الفساد، لتمكنها من القضاء على هذه الظاهرة عن طريق توعية الموظفين بخطورتها وتأثيرها على المجتمع وسن أنظمة للعقوبات الرادعة وتوفر العدالة في التوظيف ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بالاعتماد على الكفاءة والتحصيل العلمي والإيمان بالتطوير والنزاهة، وتوفير الخدمات الإلكترونية لتقليص البيروقراطية وتجفيف منابع الفساد الإداري. حيث عززت رؤية المملكة 2030 أهمية كبيرة لمسألة مكافحة الفساد، وتعزيز جوانب الشفافية ومبادئ النزاهة، لتكون من ضمن قواعد تحقيق "الرؤية"، إذ جاءت "الرؤية" لتشدد على ضرورة وضع الشفافية كمنهج للدولة، مؤكدة عدم التهاون أو التسامح مطلقاً مع الفساد والفاسدين بجميع مستوياته وأنواعه. فنشهد حالياً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده، حراكاً إصلاحياً كبيراً في قضايا مكافحة الفساد، التي سجلت العديد من النجاحات على الصعيدين المحلي والدولي في مجال مكافحة الفساد، وذلك نتيجة لما توليه القيادة من اهتمام بهذا الجانب، الذي يترجم الدعم غير المحدود لمكافحة هذه الآفة في سبيل تعزيز الجهود الرامية إلى حماية والمحافظة على مقدرات الوطن من العبث والضياع. والاستمرار في تعزيز دور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد" نزاهة" ودعمها لتكون مرتكزاً رئيساً لرؤية المملكة 2030، الرامية إلى تنفيذ الإصلاحات على جميع المستويات والحد من مخاطر الفساد، والتي تعمل بكل حزم للقضاء على الفساد المالي والإداري، وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة والإصلاح الاقتصادي بما يضمن الفاعلية، وحماية المال العام، والمحافظة عليه، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للوطن، وتعزيز ثقة المستثمرين، وتحسين موقع المملكة في التصنيفات الدولية المرتبطة بالنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.