يتحدث العالم اليوم عن الطباعة ثلاثية الأبعاد، نظرًا لأنها إحدى التقنيات المؤثرة في الثورة الصناعية الرابعة، ولكن ما زال الكثير من الناس يعتقدون بأنها مجرد تقنية مخصصة حصرًا لإنتاج مجسمات بلاستيكية صغيرة، وهذا في الواقع غير صحيح؛ فهناك الكثير من براءات الاختراع والطابعات الجديدة التي تتعدى قدرتُها طبعَ المنتجات البسيطة والنماذج البلاستيكية إلى طباعة المعادن والخزف وحتى الأنسجة، وهذا من شأنه أن يمهد لثورة صناعية حقيقية في عالم الصناعة، وجدنا أيضًا إقبالًا متصاعدًا من المهندسين والمصممين والتقنيين والباحثين على تعلّم الطباعة ثلاثية الأبعاد في المدارس والجامعات في مختلف ربوع العالم، فمن باب الذكر -كوني مختصاً في هذه التقنية- أقوم بتدريس مادة للدراسات العليا، وكذلك تقديم دورات مخصصة عن الطباعة الثلاثية الأبعاد؛ ولكن يبقى السؤال: كيف يمكن أن نستفيد من هذه التقنية في بلادنا؟ تكمن أهمية الطباعة الثلاثية الأبعاد بالقدرة على تصنيع منتجات بأشكال أكثرَ تعقيدًا يصعب أو حتى يستحيل صنعها بالطرق التقليدية، نستطيع أيضًا تصنيع منتجات مكتملة الصُنع بدلًا من التجميع؛ وهذا يوفر الكثير من وقت وتكلفة الإنتاج ويؤدي إلى تحسين الخدمات اللوجستية. وبناءً على هذا فقد بدأت الشركات العالمية الكبرى تتسارع في الاستثمار في التقنية عن طريق إدراج الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصبح جزءًا فاعلًا من مجالات أعمالها الرئيسية؛ حيث بدأ استعمال هذه التكنولوجيا في تطبيقات دقيقة ومتعددة مثل: الصناعات الدفاعية والقطاع العسكري، وصناعة الفضاء والطيران، والمجالات الطبية مثل: الأطراف الصناعية والأدوات الجراحية والأنسجة المزروعة والأعضاء لمعالجة الجرحى والمرضى، ولذلك نجد الكثيرَ من الشركات العالمية حول العالم تستثمر في هذه التكنولوجيا بعيدًا عن خطوط الإنتاج في المصانع بهدف إنتاج قطع الغيار والأدوات والتطبيقات الطبية وغيرها حسب الطلب، نحن كذلك في المملكة نستطيع أن نستثمر في هذه التقنية في مجال تصنيع قطع الغيار المستهلكة؛ مما يوفر علينا الكثير من الوقت والمال، كما نستطيع عبر استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد خلْقَ فرص وظيفية متعددة للمبدعين من المصممين والمهندسين والتقنيين بحيث يعملون على بناء قاعدة صناعية مستدامة في المملكة؛ وهذا يقع في صُلب رؤية 2030 الوطنية. وعلى الرغم من بعض الإشكالات التقنيَّة، فإننا بشكل عام يمكننا القول بأن نمو الطباعة ثلاثية الأبعاد يسير بخطى متسارعة في مجالات مختلفة؛ لذلك يجب علينا أن نشجع على الاستثمار والابتكار بهذه التكنولوجيا، وأن نقدِّم الدعم المادي والتدريب المهني، وأن نوفر فرص الإبداع والتطوير في هذا المجال. * باحث في علوم وهندسة المواد