فرحة عارمة يعيشها الشعب السعودي النبيل هذه الأيام، وأجواء إيجابية غامرة تسيطر على كل جوانب حياتهم وهم يتنسمون الذكرى الخامسة لبيعة ولي عهدهم المحبوب الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - في لحظات خالدة مليئة بالإيمانيات وعامرة بالروحانيات، حيث وافق ذلك الحدث التاريخي ليلة السابع والعشرين من رمضان وتم في قصر الصفا على بعد أمتار قلائل من بيت الله الحرام. لم تكن تلك اللحظات تعلن مجرد مبايعة ولي عهد، بل كانت إيذاناً بميلاد فجر جديد لهذه البلاد، اختارت فيه قيادتها الكريمة وتوافق علمائها وأمرائها ومثقفيها على الانحياز للمستقبل والوقوف إلى صف الشباب، رغبة في تجديد مؤسسة صناعة القرار بدماء شابة، تمتلك رؤية طموحة، وتعمل على الوصول إلى مستقبل زاهر. كان الاختيار موفقاً وصادف أهله، لأنه هدف بالأساس إلى تهيئة جيل الشباب لتسلم راية القيادة في البلاد، وإتاحة الفرصة أمامهم كي ينهلوا من معين من سبقوهم، ويرتووا من خبراتهم الكبيرة ويتمكنوا من مواقع اتخاذ القرار، لصقل مواهبهم وإضفاء مساهماتهم على دفة القيادة. تدافع الجميع لإعلان البيعة في المنشط والمكره، وتعاهدوا على تعزيز الانتماء وتجديد الولاء، وأعلنوا بمنتهى الوضوح أن خيارهم هو هذا الأمير المشبع صاحب الرؤى المتميزة والنظرة الثاقبة والأحلام الكبيرة. لم يكن خيارهم إلا بعد ما رأوه من علامات تدل على عبقرية فذة ونبوغ كبير بعد أن طرح رؤية المملكة 2030 التي صارت بمثابة وصفة نجاح كبيرة تسير على هديها كافة مؤسسات الدولة وهيئاتها، سعياً وراء التطور ورغبة في قطع أشواط كبيرة من التنمية والازدهار. أذهلت تلك الرؤية العالم أجمع بمجرد الإعلان عن تفاصيلها، وشدت انتباهه بما احتوت عليه من طموح بحد الأفق وواقعية تلامس الحاضر وتنظر إلى المستقبل بثقة كبيرة. هدفت تفاصيل ذلك المشروع الفريد إلى إحداث تحول إيجابي كبير في الاقتصاد والمجتمع وسائر أنماط الحياة، وركزت على ضرورة استنباط مصادر جديدة للدخل، بدلاً من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، وتقليل نسبة البطالة وسط الشباب، وتمكين المرأة من الانطلاق والإسهام في مسيرة نماء الوطن، وتحديث الاقتصاد وربطه باقتصاد المعرفة، وتوطين التقنية، وإنشاء مشروعات نوعية غير مسبوقة. ويتجلى الدليل الواضح على تفرد كافة برامج الرؤية في أن معظم مشروعاتها تحولت إلى حقيقة على أرض الواقع خلال فترة زمنية وجيزة، كيف لا ومن يقف وراءها معروف طوال تاريخه بميله نحو الجوانب العملية وحرصه على عدم إضاعة الزمن في تفاصيل لا طائل من ورائها، وهذا أبرز ما يميزه حيث يجمع بين التروي في اختبار الأفكار والخطط والتأكد من صلاحيتها ونجاعتها، واكتمال التخطيط والدراسة الوافية دون تسرع أو تعجل، وبمجرد أن يتم الانتهاء من ذلك فإنه لا يتردد في بدء تنفيذها وتجسيدها على أرض الواقع. وبفضل تلك الوصفة الإدارية المتميزة فإن ما شهدته المملكة خلال الأعوام الخمس الماضية يؤكد حجم الجهود الهائلة التي بذلها سمو ولي العهد، وما تحقق من إنجازات يحتاج لسنوات طويلة، وهو ما يشير بوضوح تام إلى أن بلادنا مقبلة على نهضة اقتصادية ومجتمعية شاملة، وأن الأجيال المقبلة سوف تكون الأكثر استفادة منها. لم تقتصر إنجازات الأمير الشاب على الجوانب الاقتصادية فقط، ولم تقف عند حدود تجديد مصادر الدخل بل اهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز مناخ الشفافية والمساءلة، وشن حملة غير مسبوقة استهدفت أوكار الفساد المالي والإداري، وتقديم عدد ممن حامت حولهم الشبهات إلى الجهات العدلية، وهو ما يمثل أكبر دليل على جدية التوجه نحو تحقيق الإصلاحات التي هي ضرورة تسبق أي نهضة اقتصادية. كما اهتم بشريحة الشباب وركز على تطوير مقدراتهم وتطوير مهاراتهم ليحلوا محل العمالة الوافدة، وسعى بقوة لتمكين المرأة وإنصافها ومنحها الفرصة للانطلاق والإسهام في تنمية الوطن، عبر إزالة المعوقات التي كانت تعترض طريقها، وفق ما أقرته الشريعة. لذلك وحتى يكتسب الاحتفال بهذه المناسبة طابعاً عملياً، أرى أن نسارع جميعاً إلى تجديد الولاء والانتماء، وأن تتحول مشاعر الفرح إلى أفعال تجسد على أرض الواقع ما يشعر به أبناء هذه البلاد الذين شرفهم الله بخدمة بيته، واستقبال ضيوفه، وأن تقابل الجهود الصادقة التي تبذلها القيادة الرشيدة بالمزيد من الشكر، والعمل على زيادة اللحمة الوطنية، وتعزيز الجبهة الداخلية، وأن يشعر كل مواطن بأنه المعني دون سواه بالحفاظ على أمن هذه البلاد التي شرفها الله تعالى بعمارة بيتيه المقدسين واستقبال ضيوفه واحتضان المقدسات الإسلامية.