أعادت "حادثة النخلة" مطالبات على الساحة بإعادة النظر في زراعة النخيل في الطرق والشوارع. وتجددت الدعوات والأصوات المنادية للجهات المختصة من قبل الخبراء في المجال الزراعي بعد سقوط نخلة الخميس الماضي على إحدى السيارات العابرة بين مخرجي 4 و5 لطريق الدائري الشمالي بالعاصمة الرياض. أجمع الخبراء في حديثهم ل "الرياض" أن المطالبات كانت منذ سنوات بوقف زراعة النخيل في الطرق، مستغربين في الوقت ذاته عدم تنفيذه من الجهات المختصة رغم صدور توجيه وزاري بوقف غرس النخيل في الشوارع، مؤكدين أن من عيوب النخيل في الشوارع احتمالية السقوط أرجح كون ليس لها جذر وتدي قوي يثبتها في الأرض، مجمعين أن النخلة مكانها في المزارع باعتبارها شجرة وطنية ذات قيمة اقتصادية عالية متى ما زُرعت في المكان الصحيح. أقل كفاءة في البداية قال أ. د. عبدالرحمن الصقير أستاذ جامعي ومستشار بيئي ورئيس مجلس إدارة جمعية آفاق خضراء وجمعية وعي البيئية: إن من أهم أغراض التشجير في المدن ذات الطبيعة الحارة والجافة هو خفض درجات الحرارة بتوفير الظل، وخفض الملوثات وزيادة نسبة الأكسجين، وتقليل التعرض لأشعة الشمس الضارة. وتابع: "تعد النخيل و(نخيل الواشنطونيا) أقل كفاءة في الأغراض السابقة مقارنة بالأشجار، كما أن النخيل تتطلب ضعف كمية مياه الري، وتحتاج لصيانة دورية، وإذا أنتجت ثماراً فهي غير صالحة للاستهلاك الآدمي والحيواني نتيجة تلوثها الشديد بعوادم السيارات، هذا عدا بطء نموها مقارنة ببعض أنواع الأشجار، يضاف لتلك السلبيات أن نخيل الشوارع قد تكون مستودعاً للآفات الزراعية مثل سوسة النخيل الحمراء مما يصعب خطط مكافحة السوسة في المزارع القريبة، وهذا كله دلالة على غياب الإدارة الجيدة للتشجير الحضري". وأضاف د. الصقير: رغم أن سقوط الأشجار عند هبوب الرياح الشديدة أمر غير مستغرب بغض النظر عن نوع الأشجار سواء كانت نخيلاً أو أنواعاً أخرى، إلا أن حادثة سقوط نخلة دائري الرياض على سيارة مواطن نجا بفضل الله بأعجوبة، قد تكون مؤشراً على انتشار سوسة النخيل الحمراء في النخيل المزروعة في الطرق، وهذا سيكون له تبعات كثيرة، وقد تتكرر الحادثة وربما ينجم عنها حوادث مميتة - لا قدر الله - مؤكداً أنه كانت هناك مطالبات من سنوات بوقف زراعة النخيل في الشوارع للأسباب التي تم التطرق إليها، وصدر توجيه وزاري بوقف غرس النخيل في الشوارع، إلا أن القرار لم ينفذ بالشكل المأمول. سقوطها محتمل من جهته، أكد عبدالسلام بن صالح السلمان نائب رئيس مجلس إدارة جمعية سدير الخضراء، أن من عيوب النخيل في الشوارع احتمالية السقوط كون النخيل ليس لها جذر وتدي قوي يثبتها في الأرض بل كتلة من الجذور صغيرة تنتشر بشكل أفقي. وقال السلمان: إن النخلة تعد شجرة وطنية ذات قيمة اقتصادية عالية متى ما زُرعت في المكان الصحيح، وهي كذلك تمثل رافدا مهما للأمن الغذائي الوطني إلا أنها في الوقت عينة لا تصلح للزراعة في الشوارع والطرقات العامة كونها ذات قيمة بيئية متدنية فلا تعطي ظلا كثيفا وليس لها كثافة ورقية تمسك بها ذرات الغبار وليس عندها القدرة على امتصاص الملوثات ويعيبها أنها تحتاج عقود صيانة مكلفة وذلك على مدار العام لإزالة الجريد الناشف وتنظيف الليف القديم وصرم العذوق التي تحمل تموا غير صالحة للاستهلاك الآدمي ولا الحيواني لشدة تلوثه فضلا عن اتساخ الشوارع بالتمر المتساقط. وزاد: بل إن زراعة النخيل تجهض الحملة الوطنية لمكافحة السوسة الحمراء؛ حيث ثبت أن هذه النخيل البعيدة عن أعين المزارعين وتحولت إلى مفرخة للسوسة فلن يراقبها عامل البلدية كما يراقب الفلاح نخيله. ثمرها يدهس من جانبه، قال عبيد خلف سيف العوني، مستشار ومهتم بيئي: "كفى إهانة" النخلة رمزنا وعزنا فهي أميرة في مزرعتها وليس في الطرق والأسواق والمساجد هذا أمر غير جيد. وأضاف أن ثمرتها من التمر تدهس حينما تتساقط وظلها خفيف، وسبب أول في انتشار سوسة النخيل وأقل امتصاصا للكربون من الأشجار الأخرى ومكلفة وتحتاج صيانة وحين تقطع عنها الماء تموت وتستهلك مياها وأكبر خطر أن تغرس عند مدارس أو طرق، ولو قدر الله سبحانه هبوب عاصفة قوية تسقط مسببة كوارث وحوادث، مؤكداً في الوقت ذاته أنه خرج قرار منع زراعة النخيل قبل سنوات. من دون دراسات وأبحاث وعلى الصعيد ذاته، قال زيد عبدالعزيز الغيلان عضو مؤسس ومسؤول مالي في جمعية سدير الزراعية، في السابق ومع الأسف الشديد قامت البلديات في مدننا بصفة ارتجالية ومن دون دراسات وأبحاث باختيار النخلة والعمل على تشجير شوارعنا وحدائقنا بها نظراً لأنها تمثل بيئتنا ورمزا لنا فقط، ولكن لم يركز على أضرارها البيئية على المناخ وعلى الاقتصاد نظراً لحاجتها الكثيرة للمياه والهدر المائي الحاصل من تواجدها والصيانة المستمرة، وكذا تقبلها للأتربة والتصاق عوادم السيارات بها وجلبها للحشرات التي تفتك بها وبالبيئة القريبة منها، والذي دعا لضرورة استبدالها. وأضاف: ثم تم تدارك للوضع بزراعة أشجار غازية مستجلبة من الخارج أكثر مضرة بالبيئة وبصحة الإنسان وبباطن الأرض والتربة منها الكونكاريس والبرسوبس (المسكيت) وبعض الأشجار التي لا علم لنا عن نوعيتها وصلاحيتها ومدى موافقتها لبيئتنا. وذكر الغيلان: أن مع الطفرة الزراعية والبيئية التي تحصل في بلادنا تزامناً مع رؤية 2030 والتي من ضمن بنودها أنسنة المدن بالتشجير وإضفاء طابع بيئي صحي على المدن من خلال اختيار وزرع الأشجار المناسبة تماماً لبيئتنا الصحراوية، حالياً أجزم أن وزارة المياه والبيئة والزراعة بعد توليها لمهام البيئة والزراعة اهتمت بإيجاد نوعيات من الأشجار تتناسب مع بيئتنا وأقل إهداراً للمياه والصيانة بزراعة الكثير من أشجارنا البرية المحلية في الشوارع مثل الطلح والسدر والغاف وغيرها الكثير. لجنة وزارية وفي موضوع ذي صلة، وقبل نحو ثلاثة أعوام أوصت اللجنة الدائمة المعنية بالوقاية من سوسة النخيل الحمراء، والمشكلة بقرار مجلس الوزراء، بحث أمانات المناطق ومتابعة المقاولين بعدم زراعة أشجار النخيل في الحدائق والطرق، وذلك عبر تعميم لأمراء المناطق التي قامت بدورها بتوجيه الأمانات بوقف زراعة النخيل. وتعنى اللجنة المشكلة برئاسة وزارة البيئة والمياه والزراعة، وعضوية وزارة الداخلية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والمالية، والإعلام، والنقل، إضافة إلى الغرف التجارية والصناعية، بالوقاية من انتشار سوسة النخيل الحمراء والبحث عن سبل الوقاية، والمحافظة على مستوى معدلات انخفاض انتشار السوسة بين النخيل في المملكة. وفي ذات سياق كانت قد عقدت وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة بوكالة الشؤون الفنية بديوان الوزارة بالرياض، في عام 1440ه ورشة عمل بمشاركة مختصين من جميع الأمانات في كافة مناطق المملكة، ناقشت خلالها أربعة محاور أساسية تضمنت قطع الأشجار والتقليم الجائر للنباتات (التقزيم)، تغيير مواقع زراعة الأشجار من الجزر الوسطية في الشوارع والطرق إلى جوانبها (الإيجابيات والسلبيات والحلول)، إضافة إلى الحد من زراعة النخيل المثمر ونخيل الواشنطونيا، وإمكانية الاستفادة من المياه الرمادية (مياه الوضوء) لري حدائق المساجد والأشجار المحيطة بها. وأوصت الورشة حينها بالحد من زراعة أشجار النخيل المثمر والواشنطونيا بأنواعها بالشوارع، وأن تكون زراعتها وفق ضوابط واحتياجات تنسيق المواقع مثل (مداخل المدن والمواقع التاريخية ومداخل الجهات الحكومية) وغيرها من المواقع التي تتطلب ذلك. الصقير: مستودع للآفات الزراعية السلمان:ليس لها جذر وتدي قوي العوني:رمزنا وعزنا هي أميرة في مزرعتها الغيلان: أضرارها بيئية واقتصادية