أول من يتصدر المجالس ويعطي المكانة لأهلها وكأنما يعيد ترتيب الأدوار بما ينسجم مع الشخصيات، الكرم المسكوب في فناجيل القهوة، المرارة الوحيدة المستساغة والمتكفلة بتقديم عهد أن الضيف والمضيف يتقاسمان الحلوة والمرة. "القهوة السعودية" قيمة وهوية على هيئة تلويحة ومصافحة وبقاء، "تقهو، سم، أكرم"، حكاية مختصرة ومكثفة عن الترحاب والمواثيق والتذكر، دله من الدلالة وقهوة سعودية من أصالة المكان وعراقة التفاصيل. تاريخ مديد لم تحفظه الصور ولا النقوش، بل فعلت القهوة السعودية عندما حملت الموروث إلى اللحظة، ولكن وزارة الثقافة وعبر إعلان سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة، أخذت الرمزية والقيمة إلى فضاء أرحب ونطاق أوسع، وذلك من خلال تسمية عام 2022 "عام القهوة السعودية" بمحاكاة مبتكرة لطريقة تقديم القهوة في حال تعذر معرفة الضيف تحديداً أو الأكبر سناً في المجلس وتكون البداية من اليمين، كانت بداية المبادرة أول يوم في السنة الميلادية، وهكذا تأخذ الموروث إلى اللحظة والغد والمستقبل. القهوة السعودية وعبر هذه المبادرة تجسد اقتباساً عن أن طبخة البن الواحدة يمكن إعادة تدويرها، وأن تطهو مرة ثانية لذلك عادت القهوة في قالب ينقل المكان إلى العالم، تسافر الهوية وثقافة المجتمع السعودي لتجوب الأرجاء عبر هوية محسوسة يمكن تذوقها والافتتان برائحتها والفضول بكل طقوسها وتفاصيلها، حبة البن كما لو أنها فكرة وكل فنجال قهوة رسالة، الدلة قصيدة وحكاية بينما التفاصيل موزعة على الرشفات، الزراعة والقطف وأدوات التحضير وعادات التقديم قصة بدأت واستمرت، حاضرة في المجالس والسوالف وعتبة بدايات و"معدال، ومواجيب". ولأن القهوة رغم عمق امتدادها في الجذور وعند الأجيال إلا أنها مشروب يرتبط باللحظة وأنه مصنوع الآن، طري ويشير إلى الحيوية وأن التمهل لا يعني البطء ولا التأخير لأنه الحضور المركز وبكامل التنبه. ومقابل وجود ثقافات تنحاز لقراءة الفنجان لكن القهوة السعودية تستعصي على أن تكون جزءاً من التكهنات، إنها الارتجال والشفافية والوضوح، لا تخبئ الكلمات ولا المقاصد لأنها مزاج الفرسان وكيف النخوة. أبعاد تنكشف كل يوم وتؤكد الدافع الذي من أجله اختارت وزارة الثقافة هذه القيمة والمعنى للمبادرة، والتي قدمتها في واجهة موقع إلكتروني مخصص للتعريف بالمبادرة وأهدافها وكيفية التسجيل ومنصة الأفكار والأدلة التوجيهية، بالقول: "ترتبط القهوة بالإرث الثقافي للمملكة العربية السعودية، عبر تاريخ حافل بالعادات والتقاليد، وقيم الكرم والضيافة، والحضور الإنساني والجمالي والفني في الأغاني والقصائد واللوحات، حتى أصبحت عنصراً رئيساً في الثقافة والموروث الشعبي السعودي، وعلامةً ثقافيةً تتميز بها المملكة، سواءً من خلال زراعتها، أو طرق تحضيرها وإعدادها وتقديمها للضيوف، ومن منطلق المكانة العالية لهذا الرمز الثقافي والوطني، جاءت تسمية عام 2022م ب (عام القهوة السعودية)''.