يعد التفاوض بمفهومه الواسع ضرورة ملحة وسلوكاً جميل بين الدول. إذ يتصل مباشرة بالحياة وقد يكون توءمها. فلا أزمة تنشأ على سطح الكرة الأرضية إلا وتكون بالتفاوض برداً وسلاماً وحياة أيضاً. ومن يعتقد أن التفاوض ورقة غير رابحة فهو واهم؛ لأن أي أزمة تنتهي بالتفاوض فقد ربحت السلام واستثمرت فرصة ناجحة قد لا تعوض. وعلى أساس هذه الفرصة الثمينة يتم ترتيب أوراق العلاقات مجدداً على أسس جيدة ومميزة، آخذة في الاعتبار المعاضل السابقة كي يتم تجاوزها. وضامنة للأطراف أطول علاقة صداقة واستقرار. ولك أن تتخيل أن نتيجة التفاوض الناجح لا ينعكس أثرها الإيجابي على السياسة فحسب. وإنما على الاقتصاد والسلام ومعنويات البشر أيضاً. وكلمة (تفاوض) لا تؤدي باجتماع حروفها إلى مدلول مفيد ما لم تكون هناك الرغبة القوية في إنهاء المشكلة، والنظرة الثاقبة في مد جسور التواصل البناء وحسن النوايا بين الأطراف. والشواهد على حروب انتهت بالتفاوض كثيرة ولكن التاريخ الأكثر شيوعاً هو 18 مايو عام 1803م مع تجدد إعلان الحرب بين بريطانياوفرنسا، بعد الاتهامات المتبادلة لانتهاك الاتفاقيات المنصوص عليها في معاهدة أميان، الحدث الذي أنهى الفترة الوحيدة للسلام العام في أوروبا بين عام 1792 و1784. كما يعد يوم 12 ديسمبر عام 1804 آخر تاريخ محتمل لبداية الحرب حيث توَج نابليون نفسه إمبراطوراً على فرنسا. انتهت الحروب النابليونية يوم 18 يوليو 1815 بعد هزيمة نابليون النهائية في معركة واترلو وتوقيع معاهدة باريس الثانية بعد نجاح التفاوض. وأنا كمسلم لا أجد في التفاوض إلا القوة وليس الضعف، والمكسب وليس الخسارة، والسلام وليس الحرب. ولقد تعلمت من القرآن ما ورد في سورة الكهف الآية 34 أثناء سرد قصة صاحب الجنتين: (وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا). إن لغة الحوار لغة رائعة بين البشرية جمعاء. فلا تجد عبر حضارات العالم المتعاقبة من ينكر اتباعها أو يشمئز منها. إن التنازلات التي قد تحصل بين الطرفين نتيجة التفاوض سرعان ما يتحول مفهومها إلى مكاسب ملموسة على ثلاثة أصعدة ( السياسة الاقتصاد. السلام). فلنبارك الحوار ونحيي سلوكه.