لكل منطقة من مناطق بلادنا لهجة خاصة بها بمدلولاتها الخاصة وبنطق حروف معينة بشكل مختلف، وبعد التواصل والتداخل الكبير بين السعوديين، هل اندثرت اللهجات المحلية الخاصة؟ بالتأكيد لم تنتهِ لكنها أخذت منحى آخر في التوافق الجمعي، ليكون لدينا كسعوديين لهجة بيضاء تستخدم في كل المناطق ومفهومة جداً بين الجميع. ولنا أن نتخيل أن لدينا في السابق عشرات اللهجات المحلية لكل منطقة، بعضها صعب الفهم، والدكتور فالح العجمي -الباحث المتخصص في اللغة العربية، جامعة الملك سعود- خلال حديثه ل"العربية نت" يرى أن عدد اللهجات المحكية الرئيسة في السعودية تصل إلى 60 لهجة رئيسة، تتفرع منها مئات اللهجات، وسط اختلاف وتباين يكاد لا يكون مفهوماً أبداً من لدن منطقة أخرى، وتكون حسب المنطقة أو القبيلة أو البعد المكاني. ونقول: إن هناك معاني وأسماء مختلفة لمسميات شهيرة كما المأكولات الرئيسة والطقس وغيرها بأسماء شائعة تعرفها مناطق أخرى بمسميات مختلفة جداً.. في ظل التأكيد أن لهجتنا البيضاء هي مزيج بين اللغة العربية وبين العامية الدارجة، وبما جعل التقارب اللفظي الآن بين مناطق المملكة واضحاً جداً، خلاف ما كان عليه قبل نحو ثلاثة عقود.. وأصبحنا نحذوا حذو الأكثرية، كأن تكون الرياض ومكة مسيطرة أكثر في فرض الأسلوب واللهجة، ولن نستثني أن لهجتنا البيضاء الحالية لا تخلوا من كلمات غريبة كأجنبية أو تسويقية، بسبب عوامل الانفتاح والاطلاع وسرعة تلقي المعلومة والتواصل. الآن اللهجة البيضاء نشاهدها في الحوارات والمسلسلات المحلية، ولم نعد نجد بعداً ملحوظاً في ما يطرح، وبات من غير الملاحظ أن يخرج من يسرد اللهجات المحلية ويعمل على تقليدها بقالب كوميدي كما فعل القصبي ورفاقه في المسلسل الشهير "طاش ما طاش".. نحن هنا لا نرمي إلى تباين كبير بين اللهجات، لكن تظل خلال زمن سابق صعبة الفهم فيما بينها، ولا ينفي أن هناك كلمات دارجة وتكاد تسمعها في كل منطقة، ناهيك عن الأمثال وتشابهها تماماً، وبصفة عامة فكثير من أمثالنا أو ألفاظنا المستخدمة بكثرة لا نستطيع أن نستبدلها حتى لو قلب الزمان معناها رأساً على عقب، لأنها ظلت متماسكة، وعليه فلن يطلها التغيير ولن تقتلعها عوامل التعرية للهجة البيضاء، أو حتى تلك المؤثرات اللفظية المقبلة إلينا عبر العولمة. المهم في القول إننا لا ننكر أن هناك لهجات محلية قد انتهت، وهذا أمر طبيعي يجري في كل بلد ومجتمع نظير التقارب الكبير والتواصل، وأعود هنا في الختام إلى الدكتور فالح العجمي بتأكيده أن اختفاء اللهجات ظاهرة معروفة عالمياً، ولكن فيما يخص اللهجات السعودية ليس هناك استقصاء وبحث ميداني لما اختفى منها أو في طريقه للاختفاء، والمهم أننا متقاربون متحابون لفظاً وانتماء.