لم تكن المملكة بمنأى عن التطورات العالمية في مجالات التنمية المستدامة حيث تبنت رؤية وطنية طموحة ترتكز على مستهدفات تمُكنها من تحقيق أهدافها وتنويع اقتصادياتها، وقد ارتكزت الرؤية على ثلاثة محاور رئيسة هي: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن. كما شاركت المملكة بشكل فاعل في المشاورات العالمية الخاصة بأهداف التنمية المستدامة منذ بدايتها والتزمت بتحقيق هذه الأهداف عند إقرار أجندتها في سبتمبر 2015م، ودأبت على تجديد التزامها بتلك الأجندة خلال مشاركاتها المتوالية في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة. وقد ترجمت المملكة هذا الالتزامات في مشاورات واتصالات عديدة ومكثفة لمدة تنوف عن سنتين بين الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، وبمشاركة غير مسبوقة من الجهات ذات المصالح المشتركة، ولقد روعي فيها بشكل خاص حالات تلك الدول الأدنى نموًا والأقل حظًا والأكثر معاناة من حيث محدودية اقتصادياتها وتدني دخلها وندرة المصادر لديها. وتتسم تلك الأهداف باتساع نطاقها وارتفاع مستوى طموحها مع تحقق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة وهي البعد الاقتصادي والبعد المجتمعي والبعد البيئي. وتسعى هذه الأهداف إلى مواصلة المسيرة الإنمائية للألفية وإنجاز ما لم يتحقق في إطارها من أجل التصدي للتحديات العالمية الراهنة الأكثر إلحاحاً والأشد وطأة والأبعد أثرًا، بما في ذلك التحديات المتعلقة بالفقر وضعف فرص العمل والمناخ وتدهور البيئة والامن والسلام والعدالة. وتكون أهداف التنمية المستدامة وفق الأجندة العالمية لعام 2030 التي اعتمدها رؤساء الدول وممثلي الحكومات التي تتمثل في سبعة عشر هدفًا منها القضاء على الفقر والجوع وتوفير الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة وضمان تمتع الجميع بأنماط صحية كافية، إلى جانب رعاية الأطفال ومعاشات التقاعد ورعاية المسنين. كذلك ضمان التعليم الجيد وتعزيز فرص التعليم إلى جانب توافر المياه الصحية وخدمات الصرف الصحي، كذلك حصول الجميع على طاقة موثوقة ومستدامة، أيضا توفير العمل للجميع والحرص على حقوق العمال، أيضا تحفيز التصنيع وإقامة بنى مستدامة وتوفير الأمن للجميع والتصدي لتغير المناخ والحرص على نقاء الجو وخلوه من التلوث، كذلك حفظ المحيطات والبحار والموارد المائية وحماية البيئة والطرق البرية وتعزيز استخدامها على نحو آمن وسليم ومستدام. وفي مملكتنا العزيزة بُذلت جهود متواصلة وبخطى حثيثة من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتظافر مع وزارة الطاقة والجهات المعنية الأخرى لتنفيذ جل - إن لم يكن كل - تلك الأهداف المعلنة وفق الأجندة العالمية، وقد تمثل ذلك في الحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاث الكربوني وتوفير المساكن لذوي الدخل المحدود وتهيئة فرص العمل للشباب الخريجين وتوفير دورات التدريب على وسائل التقنيات الحديثة والتوسع في المؤسسات العلمية والصحية وتحسين شبكات الكهرباء والاتصالات والمياه والصرف الصحي وشق الكثير من الطرق وتوفير الأنظمة الحديثة للمواصلات وتحسين نوعية وكفاءة وجودة الوقود، كذلك برنامج التأمين الاجتماعي والتأمين الصحي التعاوني والتقاعد ونظام التأمين ضد البطالة، كما تم توفير العديد من مرافق الترفيه والتسلية والرياضة وتنمية الهوايات وتطوير المهارات وتحسين جودة الحياة. وتسعى تلك الخطط لتنمية قدرات المواطن وتحقيق طموحاته وتلبية احتياجاته وتحسين مستوى معيشته كونه أسمى عنصر مستهدف للتنمية المستدامة بالمملكة، فضلا عن الحرص على توسيع نطاق التنمية لتشمل جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية في كافة المناطق، وقد استندت المملكة في تنفيذ خططها التنموية إلى المثل والقيم الإسلامية والحرية الاقتصادية، وبما يحقق شمول أبعاد التنمية الثلاثة: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ولهذا اتسمت بالاستدامة والتوازن حيث يعكس ذلك النمو المستمر لاقتصادها وبمعدلات مرتفعة وتوفر المناخ المناسب لتنامي دور القطاع الخاص وتحسن القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي، هذا بالإضافة إلى توفر البنى الأساسية الاقتصادية والاجتماعية المتطورة والتحسن المتواصل في مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية العامة للمواطنين. لقد كثفت الدولة رعاها الله جهودها لزيادة توافر البيانات ولتعزيز قدرة الهيئات الإحصائية على تجميع ونشر الإحصاءات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة، وذلك إدراكا منها لأهمية وضع معايير يمكن على أساسها قياس مؤشرات النجاح بحيث تشمل المجالات المهمة الأخرى والتنسيق بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية وتعزيز الوعي بأهداف التنمية المستدامة على المستويين الإقليمي ودون الإقليمي، وتمكين قطاعات مختلفة من المجتمع لتصبح جزءًا من تنفيذ المبادرات والخطط لتعزيز الاستدامة، والآن تستهل المملكة حقبة جديدة بإعلان استهدافها للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060م. ويأتي هذا الإعلان في إطار طموحات الرؤية الأوسع نطاقًا لتسريع عملية تحقيق أهداف الاستدامة وقيادة موجة جديدة من الاستثمارات في هذا المجال، ولهذا شاركت المملكة في المنتدى السياسي لعام 2018 بوفد رفيع المستوى من وزارة الاقتصاد والتخطيط وممثلين من عدة جهات حكومية وخاصة وخيرية. وقدمت المملكة في هذا المنتدى الاستعراض الوطني الطوعي الأول الذي يمثل خلاصة توجهاتها ومساعيها لإجراء مراجعة منهجية شاملة للوضع الراهن لأهداف التنمية المستدامة والإجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية في هذا الشأن مع التركيز على الأهداف التي تم اختيارها لمناقشتها على نحو أكثر شمولاً وتفصيلا خلال المنتدى. ويعكس الاستعراض النجاح الملحوظ الذي حققته المملكة طوال مسيرتها التنموية الممتدة على مدى العقود القليلة الماضية الذي تبرزه العديد من المؤشرات الإيجابية ذات الصلة بالوضع الصحي والتعليمي والبنى التحتية وغيرها من المجالات التنموية، وبناءً على ذلك تقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط بالعمل حثيثًا على إيجاد الاتساق الوطني مع أهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال دورها المحوري في دعم الأجهزة الحكومية في التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي وتوفير المعلومات اللازمة من بيانات وإحصاءات ودراسات للجهات ذات العلاقة ومواءمة الخطط القطاعية والمناطقية بين الجهات المعنية، كما تقوم الوزارة بتعزيز دور القطاع الخاص والجمعيات والمؤسسات الأهلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عن طريق تطوير المنهجيات والمقترحات اللازمة لتحسين إنتاجية وكفاءة القطاعين العام والخاص إلى جانب القطاع الثالث غير الربحي. كما تؤدي الوزارة دورًا محوريًا في تعزيز دور القطاع الخاص في الاستدامة من خلال ملكيتها للهدف الاستراتيجي المعني بتعزيز اهتمام الشركات باستدامة الاقتصاد الوطني تحت برنامج التحول الوطني، كما وُضعت الاستدامة ضمن أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030 منذ إطلاقها لتحويل هذه الخطط المرسومة إلى واقع ملموس مبشر بالخير والنماء والرفاهية والاستدامة للوطن العزيز ومن يعيش على أديمه الطاهر بإذن الله. جامعة الملك سعود