طرح تشومسكي تساؤلات مهمة من بينها؛ ما طبيعة اللغة البشرية وبنيتها؟ وما علاقة اللغة بالدماغ؟ وكيف يبدع الإنسان اللغة وفق قدراته المحدودة؟ ويضاف إلى هذه التساؤلات مجموعة من التساؤلات؛ هل تتموضع اللغة البشرية والكلام داخل الدماغ؟ وأين بالتحديد؟ وما علاقة الجهاز العصبي بشفرات اللغة؟ وهل تتمايز عناصر اللغة كالأصوات والتراكيب والدلالة عند تشريحها عصبياً؟ والخلاف كبير منذ قرن أو يزيد حول تصورات دقيقة لهذه التساؤلات، ففريق يرى أنها تتموضع في الجزء الأيسر من الدماغ، وفريق آخر يرى الدماغ يعمل على إنتاج اللغة كاملاً دون تحديد، وهذه آراء تاريخية يطول تفنيد ما فيها من قصور وكمال، لكن الثابت أن الدماغ وثيق الصلة باللغة وعامل مهم على إنتاجها. العاطفة والشعور تشكلان ضرورة معرفية لماهية اللغة، ويجب التفريق بينهما كي يستقيم الفهم، فالعاطفة تنمو وتخرج دون وعي، لكن الشعور يمر بمراحل المعالجة الإدراكية فنتعرف عليه بقصد أو بدونه، فيصبح الفرق الجوهري بين العاطفة والشعور؛ أن الأولى لحظية زائلة، والثانية دائمة ثابتة، فالعاطفة تنحاز للاوعي الذي لا نعرفه، والشعور للوعي الذي نعرفه ونخبره وننتمي إلى صوره، وعلى هذا الفرق تتكون اللغة وتتركب، وهذا سيولد اللغة الانفعالية القائمة على العاطفة، واللغة الشعورية القائمة على العقل، وبهما يعيش الإنسان، فلا يصح إهمال هذه الحالات النفسية ونحن نتكلم عن اللغة وعلاقتها بالدماغ. اللغة وسيلة وغاية، وهذا ما يجعلها معقدة، وهي ذات وموضوع، وجوهر وظاهر، ونفس وجسد، واجتماع هذه الثنائيات يجعلها لا تخضع لغيرها بل تتسيده وتفعل به ما تشاء، ولا أبعد عن الحقيقة إن قلت؛ اللغة مصدر كل الفكر الإنساني، ومحتواه ونتاجه، وهذا يجعلني أؤكد ما قاله هيدغر: اللغة بيت الوجود.