في البداية تظهر لنا عدة تساؤلات عن النكتة، ولعل أبرزها؛ هل النكتة حرب نفسية؟ أم عملية نفسية؟ يبدو أن النكتة نظرًا لعامل التخفيف الذي تقوم به أصبحت أكثر قدرة على الوصول إلى أكبر شريحة اجتماعية، فتصبح قادرة على التأثير الأفقي والوصول إلى هدف صاحبها، وهي لاتستثني أحدًا وليست طبقية، فنجدها تكسر كل القيود الاجتماعية بلا مواربة، ولايمكن إيجاد خطاب آخر ينافسها في هذا الفعل. ويصعب أو يستحيل معرفة قائل النكتة الأول، فهي بلا فاعل بنيوي، وهذا يدلل على أن النكتة هي نتاج تفاعل اجتماعي وليست عملاً فردياً، وهو ملمح مهم لفهم قدرة النكتة على اختراق الإدراكات دون تحديد نوع المتلقي أو قيمته الاعتبارية. تعمل النكتة على إزالة العقبات الحياتية والتعقيدات التي تواجه الإنسان، وتخفيف المفارقات والضغوطات والصراعات، وليس المقصود أنها تلغي ما سبق، لكنها تخففه وتعمل على إصلاحه، فتصبح سلاحاً بيد الإنسان يصلح بها واقعه فيخرج من ضيق المنطق إلى رحابة التداولية، ولهذا يصح أن نقول؛ الإنسان كائن نكتي! وقد توسع أبو حيان التوحيدي في الحديث عنها في كتابه البصائر ورأى أن الضحك [وهو الصفة الملازمة للنكتة] وسيلة للتوسط بين الحياة الجادة العقلية الضاغطة على النفس، وبين المرونة التي يحتاجها الإنسان كي يبقى محافظًا على طبيعته، وشدد على ضرورة التخلي عن التعنت إزاء النكات حتى المجونية منها بحجة المهابة والعلم، وكلامه وجيه لأن النكتة تعمل على توازن الإنسان وسلبه من حالته الجادة التي قد تؤثر عليه نفسياً وجسدياً، لكن المهم ألا تزيد عن النسبة المعقولة لاتزان الفرد فلا تصل حدًا مسرفًا يحول صاحبها إلى حالة بهيمية، والإنسان يحتاج إلى مثل هذا التوازن كما كان يقول أستاذنا الجاحظ: الجد مبغضة، والمزاح محبة. بقي أن أحذرك من أمر مهم للغاية؛ إياك أن تشرح النكتة!