تسمى مكارم الأخلاق، في المفهوم السائد عندنا في الوقت الحاضر، الطيب أو المراجل، وهي بالتفصيل الخصال الحميدة، عكس الخصال الذميمة، مثل الأمانة، والعفة، والحميّة، والنخوة، والتضامن، والتكافل، والشجاعة، والكرم، والنجدة، وغيرها، وتسمى فضائل، جمع فضيلة، وتقابلها بالتضاد، الخصال الذميمة، وتسمى الرذائل، جمع رذيلة، وهي مثل الخيانة، والفاحشة، والخذلان، والجبن، والبخل، والتقصير بحقوق الغير، وما شابه ذلك، من القيم الناقصة، الخبال، والغباء، وما شابهها، من الخصال التي لا تأتي بخير والمسألة التي دفعتني إلى كتابة هذا الموضوع، هي أن هذه الخصال المتضادة، شبه مجهولة، عند العامة، الذين لا يعتمدون على معرفة مرجعية علمية أياً كانت، لعدم اهتمامهم بالاطلاع، على العلوم الدينية، ولا الاجتماعية، التي تهتم بمعرفة القوانين، والآداب المختلفة، فلا ينظرون إلى هذه الخصال على أن لها علاقة بما يسمى الطيب أو المرجلة لديهم، وكان من الواجب أن يقيموا الشخص بما فيه من هذه الخصال، ليعرف إن كان طيباً أم ردياً، أي إن كان يتصف بصفات المناقب، أو المثالب، أي محاسن الرجال أم مساوئهم، والتي هي الخصال التي ذكرنا بعضها في بداية هذا الموضوع أضف إلى ذلك بأنهم لا يعتبرون أن لهذه الخصال التي يسمونها الطيب أي علاقة بالدين، وهذا أمر غير صحيح فالعرب في الجاهلية ينظرون إلى أن الخصال الحميدة، هي التي تتفق مع الدين معنى ونية، ودعني أعرض هنا ما وقع ضمن اطلاعي بمجرد الصدف، على أشعار بعض شعراء الجاهلية، التي سبقت بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مثل، أشعار الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني، والمتوفى سنة 18 قبل الهجرة، يعني قبل أن يُعترف بدين محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم، والذي من أشعاره قوله: أتاني أبيتَ اللعنَ أنكَ لمتني و تلكَ التي أهتمّ منها وأنصبُ حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهبُ لئن كنت قد بلغت عني خيانة لمبلغك الواشي أغش وأكذبُ ولكنني كنت أمراً لي جانب من الأرض فيه مستراد ومذهبُ ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم أحكم في أموالهم وأقربُ كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم فلم ترهم، في شكر ذلك، أذنبوا هذه الأبيات ضمن قصيدة يخاطب بها الملك النعمان بن المنذر، والذي بلغ الشاعر الذبياني، أنه غاضبٌ عليه، بسبب وشايةٍ حكاها شخصٌ ضد النابغة، فقال في بعض أبيات قصيدته: أتاني أبيتَ اللعنَ أنكَ لمتني وتلكَ التي أهتمّ منها وأنصبُ أي سمعت أنك غاضبٌ علي، و(أبيت اللعن) كلمة تقال احتراماً للملوك في عصرهم، وهذا اللوم الذي يعبر عن اتهامك لي بالخيانة، يهمني، ويتعبني ثم قال، وقوله هنا هو الشاهد على أن الناس تربط الدين بحسن الخصال، وذلك ما يدل عليه معنى البيت الثاني، وهو أن الحلف بالله لا يترك مجالاً للشك بأن الحالف بالله صادقٌ، كذلك قوله، في البيت الأخير: كفعلك في قومٍ أراك اصطنعتهم فلم ترَهم في شكرهم ذلك أذنبوا يعني أنا أمدح ملوكاً غيرك ينفقون علي من أموالهم، مثل ما أنك تنفق على شعراء يمدحونك، ويشكرونك، ولا تشعر بأن في الشكر لغير الله ذنبٌ ومن قول الشاعر الجاهلي زهير ابن أبي سلمى المزني، المتوفى قبل بعث النبي محمد صلى الله وسلم، بسنة واحدة، في قصيدة نصح، وسعي في الإصلاح بين قبيلة عبس، وقبيلة ذبيان، ومنها قوله: فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذِّي طَافَ حَوْلَهُ رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ يَمِيناً لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدْتُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْرَمِ تَدَارَكْتُمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَا تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَمِ وإلى قوله: فَلاَ تَكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ لِيَخْفَى وَمَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعْلَمِ يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ لِيَوْمِ الحِسَابِ أَوْ يُعَجَّلْ فَيُنْقَمِ وقوله: وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيقَةٍ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ وَإَنَّ سَفَاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ وَإِنَّ الفَتَى بَعْدَ السَّفَاهَةِ يَحْلُمِ فمعنى الأبيات الأولى: أقسم ببيت الله، ولم يقل أقسم بالأصنام، التي كانت تعبد آنذاك، إن هذين الرجلين الفاضلين يستحقان النعم، لحسن فعالهما، لأنهما أصلحا بين قبيلة عبس، وقبيلة ذبيان ثم قال: لا تعتقدوا أن الله غافل عما تفعلون، كلا، بل يوضع في كتابٍ يؤخر، ليوم القيامة، فينشر ما فيه، مما تعملون، وربما كان من معنى كلامه، لا تكتموا قول الحق، وإظهاره وإبطال الباطل إلى قوله: ومهما يكن في امرئٍ من خصلة سيئة يتصور أنها تخفى على الناس، فإن تصوره، ليس في محله، بل إن الناس سيعلموه عاجلاً أو آجلاً وإن سفاه الرجل المسن، لا صلاح بعده، وسفاه الشاب، لا يستبعد أن يتوب عنه، ويصلح. ويقول: بركات الشريف: احفظ رثك اللي عن الناس يغنيك اللي الى بان الخلل فيك يرفاك اجعل دروب المرجله من معانيك واحذر تمايل عن درجها بمرقاك أدب ولدك كان تبغيه يشفيك واستسفعه من بعد مرباه يالاك ويقول راشد الخلاوي: الاطباع تطبع جود من جاد جده ولو كان من بيت رفاع مناهبه والاطباع تارد بالفتى مارد الردى وما الدين والدنيا والاطباع خاربه والاطباع عضو في بن ادم مركب والاطباع للتطبيع لاشك غالبه ومن بين جبلات من الله حطها تزول ارواسي والجبال ناصبه فلا للورى عما برى الله متقى ولا حيله يحتالها الكون صايبه والاقلام جفت بالذي صار واستوى على الكون وطوال السجلات كاتبه وامر الفتى في عالم الذر قد مضى وماصاب مااخطأ ومااخطاه غايبه ولا به سوى ماقدر الله للفتى ومهما جرى رب السموات جالبه فيا ترى هؤلاء تعلموا الدين، من خلال سماع القرآن، ومواعظ المحدثين، والواعظ في مثل عصرنا، أم في جامعات، أو من خلال حضور الصلوات، وما يقرأ على سماعهم؟! كلا، بل هو ما تناقلته إليهم الأجيال السابقة لجيلهم، عن ما أتى به الأنبياء، وهو ما يعرفون بمحض فطرتهم، من العلم اللدني، وما تمليه عليهم أخلاقهم السليمة وهل يا ترى ما يشيرون إليه من خصالٍ حميدة، أو ذميمة، هو ليس إلا أمور أخرى لا علاقة لها بالطيب، والرديء! الجواب: كلا، بل هي الخصال التي، تسمى الطيب، وعكسها ما تسمى الرديء.