اعتاد البشر على تصنيف غيرهم ووضعهم في نمط معين يتعاملون معهم وفقه، ويصعب جداً تغيير هذا النمط لاحقاً. ابتكر كارل يونغ أربع وظائف نفسية فطرية هي؛ التفكير، والحدس، والشعور، والإحساس، ودافع عن صعوبة أو استحالة اجتماع نمطين بداخل الفرد في وقت واحد، لكنه أكد على نهوض نمط آخر بداخلنا حين تسيد نمط على البقية، فإذا برز التفكير فإن الشعور يقاومه كي يكسر طغيانه واستبداده، وكل هذا يُشكل الوعي واللاوعي بداخل الفرد ثم يبلور الأنا التي تتوسط بينهما خالقة للذات التي تنقسم إلى واحدة تحف الأنا، وأخرى متصلة بالخارج، فيتشكل السلوك وفق هذه الخطاطة. لكن بعض البشر لا يمكن تمرير نظرية يونغ عليهم، بل تجدهم يمارسون قدرة عجيبة على تفعيل الوظائف الأربع كلها في وقت واحد، وهذا ما كانت عليه تلك الفتاة التي أذهلت اللاوعي وأخيه الوعي بداخلي حتى ظننت أن كارل يونغ لم يكتب حرفًا يستحق النظر! كانت شمولية الطبع، كُلية الجمال، مطلقة الرقة، لكنها ضعيفة جدًا في رحمة عاشقها، فلم تكن تُفعل مبدأ الإسقاط بل كانت تحركه كما لو كان من صنعها، ولقد كنت حليمًا وقورًا حتى مرت بي، فانتقلت إلى منطقة أشبه ما تكون بالخيال؛ الخيال الذي قال عنه يونغ إنه يمثل كل حياتنا أو جلها، فأصبحت ناقماً على رائد النفس التحليلي الذي هُدمت كل نظرياته بمجرد سطوع شمس متحركة في أرضنا المظلمة. أعترف أني أصبحت آيديولوجيا تجاهها، وأشعر باغتراب دونها، وأنها في جدل دائم معي كي تتحد رؤانا، لكني في كل الأحوال أحاول صياغة وجودي من ماهيتها كي يستقر انفعالي فلا أصبح ميتًا كاستعارات ريكور، وبعد هذا يصبح السلام علي مجرد تأدية واجب على من فارق الزمان وانتقل إلى مجرد ذكرى.