تشهدُ الفترةُ الحاليةُ طفرةً في عددِ البنوك الخليجية التي تقوم بنشر تقارير بشأن إنجازاتها في مجال الاستدامة أو المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة، إذْ تُقدّر نسبتها حاليًا بالثُلثِ – أو ما يُعادل 34 % -من إجمالي البنوك العاملة في المنطقة مقابل صفر تقريبًا في السنوات الخمسة الماضية، والجدير بالذكر أنّ البنوك العاملة في المنطقة لم تُحقق حتى الآن الاستفادة الكاملة والقيمة المرجوة من مفهوم المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة، وذلك على الرغم من انخراط دول المنطقة في تنفيذ استراتيجيات طموحة تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية وتعزيز مستويات الاستدامة في مجال الطاقة. ووفقًا لتقرير صادر مؤخرًا عن شركة ستراتيجي& الشرق الأوسط (جزء من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز) بعُنوان "تحقيق الأثر البيئي والاجتماعي والحوكمة الرشيدة – جدول العمل المستقبلي للبنوك في منطقة الخليج" فقد اتضح أنّ البنوك العاملة في منطقة الخليج غالبًا ما تقصر جهودها في هذا المجال على مجرد نشر التقارير التي تُسلط الضوء على التزاماتها وإنجازاتها المحققة في هذا الصدد، ولا يمكننا إغفال أنّ هذه المسألة في حد ذاتها قد شهدت طفرةً مقارنةً بالسنوات القليلة السابقة. وفي هذا السياق، علّق الدكتور يحيى عنوتي – الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط – قائلًا: "لا تقتصر المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة على مُجرد نشر التقارير أو فعل ما هو في صالحِ البيئة أو المجتمع، بل هي فرصة ذهبية يمكن للبنوك استغلالها لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية وتعزيز الإيرادات وتلبية احتياجات العملاء المهتمين بالممارسات ذات الصلة، حيث يمكن للبنوك أن تُحقق أثرًا ملموسًا على الصعيد البيئي والاجتماعي والحوكمة من خلال قيادة الجهود في هذا المجال، فضلًا عن تحسين نتائج أعمالها". وبوجهٍ عامٍ، نجد أن الأصول الاستثمارية المُستدامة بيئيًا قد حققت قفزةً على الصعيد العالمي – من 13,3 تريليون دولار أمريكي في عام 2012م صعودًا إلى 40,5 تريليون دولار في عام 2020م، كما ارتفعت نسبة الأصول المُدارة مهنيًا من 21 بالمئة إلى 35 بالمئة خلال نفس الفترة. إضافةً لذلك، فقد شهد العام 2020م إطلاق سوق دبي المالي لمؤشره الأول للحوكمة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية، كما ارتفعت قيمة الصكوك الخضراء المصدرة في نفس العام بمنطقة الشرق الأوسط بضعف القيمة تقريبًا مُقارنة ًبعام 2014م. وعلى نفس المنوال، شهد العام 2020م قيام الشركة السعودية للكهرباء بطرح أولِ صكٍ أخضر يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في الأسواق الدولية. وتتعرض البنوك العاملة في منطقة الخليج مثلها مثل البنوك الأخرى عالميًا إلى ضغوطٍ متزايدةٍ من الأطراف المعنية مثل الجهات المنظمة والموظفين والمستثمرين والعملاء لتعزيز نشاطها على مستوى ممارسات المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة. وفي هذا السياق، يمكن أن تتضمن القروض والتمويلات الموجهة لهذا المجال المساعدة في تطوير أصول الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية بما يدعم مبادئ الاقتصاد الدائري أو الاستعانة بالممارسات ذات الصلة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والتكاليف التشغيلية، وذلك من خلال تقليل رحلات السفر لغرض العمل على سبيل المثال. وهُناك العديد من التحسينات الجارية حاليًا حيث كشفت أحد الاستطلاعات التي أجرتها برايس ووتر هاوس كوبرز في عام 2021م عن عزم 46 بالمئة من الرؤساء التنفيذيين زيادة الاستثمارات في المبادرات ذات الصلة خلال السنوات الثلاث المقبلة. وفي سياقٍ متصلٍ، علّق أورليان فينسنت – الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط – قائلًا: "يمكن للبنوك العاملة في منطقة الخليج أن تمضي بسرعة نحو دمج ممارسات المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة في استراتيجية العمل، وإحداث التغييرات الهيكلية الضرورية في النماذج التشغيلية لدفع هذه الاستراتيجيات الجديدة قُدمًا ثم تستطيع بعد ذلك جني ثمار تنفيذ هذه التغييرات - علمًا أن بعض البنوك العاملة في المنطقة قد قامت باتخاذ هذه التدابير فعليًا". وأشار التقرير إلى أن البنوك العاملة في منطقة الخليج يمكنها اعتماد خطة من أربعِ خطواتٍ لصياغة استراتيجية عمل ناجحة تدعم تحقيق الأهداف ذات الصلة وهي، تقييم الوضع الراهن لنماذج العمل والتشغيل وتطلُعات الأطراف المعنية، تحديد المستهدف لإطار المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة، والتقييم الكمي للأثر المتوقع، وكذلك اعتماد السياسات ودمج مسألة الاستدامة في الاستراتيجية العامة بصورةٍ متسقةٍ، ويجب أن يواكب ذلك صياغة خارطة طريق لكل مبادرة وإعداد التقارير اللازمة عن جدول أعمال المسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة الرشيدة.