بدأت القراءة في المرحلة المتوسطة حينما كنت أتلقى ثقافتي من منبر يغذي ثقافة اللا سؤال، ويكرس مفهوم تعطيل العقل، من خلال مدرسية آحادي الفكر. كنت أعيش حالة من التمرد والرغبة في الاكتشاف، أبحث عن أسئلة بدأت مع معلمي المدرسة، وكانوا يشنقون أسئلتي على زنزانة التعطيل، ثم انتقلت لطرح أسئلتي المنبوذة من وجهة نظرهم، وجوبهت بردة فعل حاصرتني وحاولوا قتلها في داخلي. حينما انتقلت إلى المرحلة الثانوية بدأت كأبناء جيلي في تلك الفترة الانتقال إلى مرحلة من التفكير المحافظ، وأسست مكتبة دينية رغم صعوبة الحصول على الكتاب في المجتمع الذي أنتمي إليه من حيث المفاهيم الثقافية والانتماء لمكون اجتماعي لم تكن تتوفر كتبه بسهولة، وجدت صعوبة في توفير الكتب واقتنائها سراً، وأيضاً من حيث القيمة المادية لكون أسعارها لا تناسب طالباً مثلي في المرحلة الثانوية. كما اقتحمت عالم الرواية من خلال روايات (بنت الهدى) وهي كاتبة تقدم روايات وعظية اجتماعية، بأسلوب شيق ولغة انسيابية، منها انطلقت في التوسع في القراءات للكتب الدينية وقرأت في مجال الروحانيات وبعض الكتب في الفقه والأصول والمنطق، وقرأت في قصائد المنابر الذين يستشهد بها الخطباء في المناسبات الدينية، ثم انتقلت إلى قراءة كتب نقد الموروث، وبعد أن تكونت لدي مكتبة دينية ضخمة وجدتني مشبعاً من هذه القراءات، ثم بدأت في التوجه للقراءات الأدبية من خلال قراءة المنفلوطي والرافعي وإيليا أبو ماضي وحافظ إبراهيم متأثراً بدراستي الجامعية في المواد الاختيارية لأن تخصصي كان بعيداً عن الجانب الأدبي واللغوي، ومن ثم بدأت في قراءة روايات نجيب محفوظ والسباعي، وزكريا تامر ويوسف إدريس وعدد من الروائيين العرب، قبل أن أنتقل لقراءة الكتب المترجمة، وكان عليّ آنذاك أن أتصرف في المكتبة الدينية التي أسستها حيث أهديتها لمسجد أحد الأحياء المجاورة، لكوني سوف أنتقل إلى مدينة أخرى، وبدأت في رحلة تأسيس مكتبة أدبية مع القراءة في كتب فلسفية ومنطقية متنوعة في محاولة لإيجاد بعض الإجابات على الأسئلة التي ظلت عالقة في ذهني، ولكن بعد تخرجي من الجامعة والتوسع في قراءاتي وجدتني مثقلاً بأسئلة أكبر وأعمق بدلاً من الحصول على إجابات، ومازالت الأسئلة تحفر في داخلي وكلما ظننت أنني رتبت ما في داخلي من جديد، يلح عليّ هاجس البحث ويلهمني إلى مزيد من الإطلاع لتحقيق مزيد من المعرفة. * قاص وإعلامي سعودي