أكدتُ في مقال سابق أنَّ الاستدامة المالية ليست هدفا بحد ذاتها بل هي تغيير شامل في الثقافة ولذلك لا يمكن أن نحكم بالمطلق بمدى تحقيق الاستدامة المالية؛ لأنها ترتبط بمجموعة من المتغيرات كونها ثقافة تستهدف المملكة تحويلها إلى قواعد مالية دائمة، ثم إلى نظام يحكم المالية العامة على المدى الطويل. والكل يعلم أن إحداث التغيير في الثقافة لم يأتِ فجأة في المملكة، بل كان وفق خطط مدروسة ومبادرات قامت بها الحكومة من خلال وزارة المالية، كان من أهمها على الصعيد الإداري والتنظيمي الهيكلي بشكل جذري في إدارة المالية العامة لتدعيم الكفاءة والفاعلية والشفافية وفقًا لرؤية المملكة 2030؛ وذلك من خلال مبادرة مركزة تستهدف تطوير إدارة المالية، وتعزيز مستوى الإفصاح والشفافية بتبني أفضل الممارسات الدولية. لقد تمكّنت المملكة من تحسين جودة بيانات الحسابات المالية، حيث سعت وزارة المالية إلى تطوير أنظمتها المالية وأتاحت أكبر قدر من المعلومات حول السياسة المالية، وحسّنت جودة البيانات المالية والاقتصادية المتاحة، كما استحدثت العديد من التقارير الخاصة بالميزانية العامة للدولة بالإضافة إلى الإعلانات الربع سنوية للميزانية، واستمرت في العمل على التطوير المستمر لمحتواها سنوياً، لتحاكي أفضل الممارسات الدولية حيث لم يعد خبر إعلان الميزانية مفاجأة عندما أصبحت الأرقام متوفرة للعموم بشكل ربعي. بالمقابل تمَّ العمل على تحسين شفافية المالية العامة، بالإضافة إلى إطلاق منصة إلكترونية شاملة لخدمات وزارة المالية المقدمة لمختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص (منصة اعتماد) تمكينًا للتحول الرقمي. كما يعمل المركز الوطني لنظم الموارد الحكومية على بناء النظام الموحد للموارد الحكومية الذي سيدعم عملية اتخاذ القرارات بتفعيل دور تحليل البيانات من خلال بناء منصة ذكاء الأعمال، حيث إنَّ كل هذه المبادرات ساهمت برفع مستويات شفافية الميزانية العامة للمملكة حسب المؤشرات العالمية. إن كل المبادرات والبرامج طويلة وقصيرة المدى بالإضافة إلى التوازن المالي والتحول بعد المراجعة إلى الاستدامة المالية كان هدفها الأساسي تطوير إدارة المالية والوصول إلى مستوى متوازن من خلال مواءمة الإطار المالي متوسط المدى مع الأولويات الوطنية للإنفاق، كذلك رفع كفاءة الإنفاق من خلال تطوير جودة التخطيط المالي، وتخصيص الميزانيات على مستوى الدولة، وعلى مستوى الجهات الحكومية، بالإضافة إلى التحول التدريجي إلى نهج الميزانية متعددة السنوات. ختاماً: إن إدارة وتطوير المالية العامة للدولة جعلتنا ببساطة نفكر جدياً بأهمية تنويع الاقتصاد والبحث عن موارد جديدة نعتمد عليها من أجل الخروج من عباءة النفط، وتغيير نهج الاقتصاد الريعي على الرغم من إيماننا التام بصعوبة ذلك، لكن ما تحقق من تخطيط مالي كان أثره على مختلف القطاعات أننا أصبحنا ننفق حسب الحاجة ووفق الضرورات.