جاءت رؤية المملكة 2030 بشقين إصلاحي وتطويري ونتج عنها تبني عدة برامج هيكلية تنفيذية يتم مراجعتها وتطويرها دورياً لتحقيق مستهدفات الرؤية، ومن أهم هذه البرامج التي تحتاجها الحكومة هو الوصول إلى إيجاد نمط ومفهوم مستدام للتوازن المالي في المالية العامة، بحيث تكون المحافظة على مستوى التوازن المالي والاستدامة المالية منوطة بجميع موظفي القطاع العام. وقد بدأت وزارة المالية بتبني مبادرات التوازن المالي في السنوات الثلاث الماضية.. ونتج عنها تحقيق مكاسب كبيرة على المستويات كافة فعلى سبيل المثال: تم تحقيق وفورات كبيرة من خلال برنامج كفاءة الإنفاق؛ حيث وضعت الأهداف لتحقيق وفورات بنحو 200 مليار ريال لكن الذي تمَّ تحقيقه خلال ما يزيد على ثلاث سنوات ما يقارب 500 مليار ريال. ويمكن تعريف الاستدامة المالية بالمفهوم المبسط بأنها السيطرة على مستويات عجز الميزانية وتحقيق فوائض في الميزانية من خلال تبني قواعد مالية من شأنها المساهمة في تعزيز ضبط المالية العامة وتبني الكفاءة والفعالية في الإنفاق الحكومي، وتنمية الإيرادات غير النفطية لتعزيز الاستدامة المالية، وتوزيع النفقات بما يتوافق مع الأولويات الوطنية للإنفاق لتعزيز النمو في الناتج المحلي، والمساهمة في خلق فرص عمل للمواطنين والمواطنات. وإذا أردنا أن نلخص ما تم العمل عليه يمكن القول: إنَّ برنامج تحقيق التوازن المالي منذ إنشائه ساهم في الضبط المالي، وتطوير المالية العامة من خلال مجموعة من الكيانات الحكومية؛ مما ساعد في السيطرة على نسب العجز من خلال تطبيق العديد من الإصلاحات الهيكلية في عملية إعداد الميزانية والإيرادات غير النفطية. ونتيجة للمراجعة الدورية التي تتبناها الحكومة تمت إعادة هيكلة برنامج تحقيق التوازن المالي ليصبح برنامج الاستدامة المالية بعد تحقيق مجموعة من الإصلاحات الهيكلية في إدارة المالية العامة لتدعيم الكفاءة والفاعلية والشفافية تحت مظلة رؤية المملكة 2030، وقد تم ذلك من خلال مبادرات تستهدف تطوير إدارة المالية، وتعزيز مستوى الإفصاح والشفافية بتبني أفضل الممارسات الدولية. ومن البرامج المهمة للاستدامة المالية مبادرة إدارة المخاطر على المدى المتوسط (أحد برامج الاستدامة المالية) التي تتيح إمكانية رصد وتحليل المخاطر المالية والاقتصادية في وقت مبكر، بما يُمكّن من اقتراح السياسة المناسبة لمواجهة هذه المخاطر وإدارة المخاطر بكفاءة وكما هو معلوم أن أفضل آليات إدارة المخاطر هو سرعة رصدها وتوقعها والتخطيط لها مسبقاً. أخيراً: ينبغي التأكيد والإشارة إلى أنَّ الاستدامة المالية ليست هدفا بحد ذاته بل هي تغيير شامل في الثقافة ولذلك لا يمكن أن نحكم بالمطلق بمدى تحقيق الاستدامة المالية؛ لأنها ترتبط بمجموعة من المتغيرات كونها ثقافة تستهدف المملكة تحويلها إلى قواعد مالية دائمة ثم إلى نظام يحكم المالية العامة على المدى الطويل. ولا ننسى أنّ كل ما تحقق من توازن مالي أو استدامة مالية وضبط إنفاق وكفاءة هي مكتسبات ستعود بالنفع على كافة المستويات على المدى البعيد ومن المهم أن نحافظ على هذه المكتسبات.