غالباً ما يكون لدى الكاتب توقعات عن نفسه وعما يكتب، فيقع في فخ الحيرة وفوضى الآخرين، حيث البعض من الكتاب يذهب نحو تلمس ذائقة جمهور قرائه، ويلاحق توقعاتهم عنه وينفذها، وهذا الفخ الذي أوقع به نفسه يتمثل بكونه عاجزاً عن أن يحرّر نفسه من كلّ هذه التوقعات التي تحيط به، وغير قادر على أن يحافظ على خصوصيته، ويركّز على حكايته وعلى العالم الذي يريد أن يصنعه. فالعملية الإبداعية ذاتية في المقام الأول، وهذا يتطلب حرية التحرر من كل شيء حول الكاتب والتركيز في الفكرة التي يكتبها، فالكاتب المميز هو الذي نبحث عنه، لا الكاتب الذي يأتينا ويدغدغ رغباتنا ومتطلباتنا، ويوافق أهواءنا، فكم كاتباً قرأت له وأخذ مجاميع قلبك، وأحببته، وبدأت تدافع عنه كأحد أعضاء أسرتك، ما السر في ذلك؟ عندما تتغلغل أفكار الكاتب إلى عقولنا ونؤمن بها لأنها تلامس شيئاً بداخلنا، نشعر بالسحر والدهشة والانجذاب العميق، فالكاتب يتكئ على التراكم المعرفي والخبرة والحظ..! نعم الحظ أليس هذا ما يردده البعض عندما يبز وينجح شخص ما في مجال ما..! يؤمنون بقانون الحظ، حيث إنهم ينسبون نجاح الآخر إلى قانون الحظ وليس قانون الجهد والتعب والعمل الدؤوب، ولو تمعنا قليلاً في قانون الحظ لوجدنا أنه قد يعبس لك ويترصدك، ويقف ضدك في صف مصاعب الحياة..! والواقع أن الحظ هو شماعة نعلق عليها فشلنا، ترددنا، جهلنا أحياناً، فعندما تنجذب لشخص ناجح وتحبه، اسأل نفسك أسئلة كثيرة من ضمنها، لماذا نجح؟ وكيف نجح؟ ومتى وصل إلى ما وصل إليه الآن؟ هذا الشخص هو محرض للإبداع. ولكن ما هي محرضات الإبداع بشكل عام؟ قد تكون أفكاراً، كتباً، أو أشخاصاً، مواقف أو تأملاً، أتذكر كتاباً لإيميل سيوران وأعتبره من المحرضات على الإبداع، اسم الكتاب "اعترافات ولعنات"، الذي اعتمد فيه الكاتب على أسلوب الومضات لنقل أفكاره وآرائه وفلسفته تجاه الحياة، هذا الكاتب السوداوي الأنيق نقل لنا بإحساس متعب ومتجرد وجميل كل ما يمس حياته، حيث كتب عن أصدقائه، ونفسه، وحبه للقراءة، وكتب عن موضوعات شائكة، مثل: الدين والإيمان والحب، وكأن كل الخيبات لا تتجمع إلا في عقله ونظرته ثم تتوزع في كل شيء حوله كلما جاءت، لذلك كلما قرأت له أحس أن هناك وعياً جديداً ينتأ من ظهر الجمود، فهو من الشخصيات غير المطمئنة لأي شيء، وساخطة على كل شيء، والواقع يخبرنا أن الكثير منا مطمئن لتوقعاته، لذلك لا نسعى كثيراً للبحث عن الحقيقة. والأكيد أنه لا يجب أن يتبنى الكاتب وجهات نظر الآخرين وأفكارهم، فهذا يشوه الإبداع ويخرجه من مساره، فوظيفة الأدب هي خلق أسئلة جديدة عن العالم، إثارة حفيظة القارئ للبحث والتفكير.