أكثر من ثلاثة عشر مليون شخص يقومون برحلة العمل اليومية من مقر سكنهم إلى مواقع أعمالهم في مدن المملكة، ذهاباً وإياباً، وربما رحلتان لمن تقتضي وظيفته العمل على فترتين صباحية ومسائية. يقطعون مسافة هذه الرحلة إما مشياً - وهم ندرة - من بعض العاملين في المدن الطبية، من أطباء وممرضين، وبعض أعضاء هيئة التدريس في المدن الجامعية، التي هي خير مثال على اقتران مقر السكن فيها بموقع العمل، بينما هنالك فئة أخرى من العاملين ممن يستخدمون وسائل النقل العام بالحافلات - وهم قلة كذلك - ربما لا تتجاوز نسبتهم اثنين في المئة، أما الغالبية فهم من يستخدمون السيارة في الرحلة اليومية لمواقع أعمالهم. لم اطلع على بيانات تتضمن الإفادة عن متوسط المدة الزمنية التي تستغرقها رحلة العمل اليومية للعاملين على مستوى المملكة، لكنها بالتأكيد تتفاوت ما بين مدينة وأخرى، إلا أن في العاصمة الرياض، التي ربما تمثل المدينة التي تستغرق فيها رحلة العمل اليومية وقتا أطول مقارنة بمدننا الأخرى، تشير بعض الدراسات التي نشرت منذ بضع سنوات، إلى أنها تصل إلى نحو نصف ساعة تقريباً، حيث يبلغ متوسط المسافة بين مقر السكن وموقع العمل للعاملين في مدينة الرياض أكثر من عشرين كلم، وأكاد أجزم أن المدة الزمنية لرحلة العمل في مدينة الرياض ربما تجاوزت حالياً الخمسة وأربعين دقيقة، إن لم يكن أكثر، وذلك حينما نقارنها بالمدن العالمية المشابهة، مما يعني أن العاملين في مدينة الرياض يقضون في رحلة العمل على مدى أسبوع ما يكاد يصل إلى ساعات يوم عمل إضافي كاملة...!!!. هذا بخلاف تكاليف الوقود لتلك الرحلات. ليس هذا وحسب بل إن هناك دراسة عملت على عينة ممن يقومون برحلة العمل اليومية في ثلاث من المدن الأسترالية التي تشبه مدننا إلى حد بعيد في امتدادها الأفقي، ومتوسط طول المسافة التي يقطعها العاملون بين مقر السكن وموقع العمل، وكانت تهدف إلى معرفة كيفية ومدى تأثير رحلة العمل تلك على إنتاجية العاملين في مواقع أعمالهم، توصلت إلى ثلاث نتائج مهمة، الأولى هي ازدياد عدد أيام تغيب العامل الذي يبعد مقر سكنه عن موقع عمله، النتيجة الثانية هي أن العاملين الذي يأتون إلى مقر عملهم مشياً لقرب سكنهم منه هم أفضل أداءً للعمل مقارنة بما يأتون عبر وسائل نقل أخرى، أما النتيجة الثالثة فهي أن أولئك العاملين الذين يأتون إلى مقر عملهم مشياً هم الأكثر سعادة وإنتاجية لما يكلفون به من أعمال، لهذا تبرز أهمية أن تتضمن سياسات الإسكان لدينا تعزيز اقتران مقر السكن بموقع العمل للعاملين في القطاعين الحكومي والخاص.