لا يشك مراقب في أن القمة الخليجية ال42 هي علامة فارقة في مسيرة العلاقات (الخليجية - الخليجية) بل وكذلك علاقة هذه الدول بالعالم الخارجي الذي تحول إلى ساحة للصراعات، مما يلزم وحدة دول مجلس التعاون الخليجي وبالتالي كان من الطبيعي أن كل الأنظار ستتجه إلى المملكة، وليس شعوب مجلس التعاون فقط وإنما أيضا الشعوب العربية لأن الكل على أعتاب مرحلة جديدة مختلفة عما سبقتها واليوم يتحقق النجاح التام للقمة، وساهمت زيارة سمو ولي العهد التي شملت الدول الأعضاء من دون استثناء قبل القمة مباشرة في تقوية القمة ونجاحها، فكانت زيارات سموه مؤشرا على عودة التضامن الخليجي وتراصه في عالم يهتز بالحروب والمشكلات والتحديات الإقليمية التي تأتي إيران في صدارتها سواء باستمرار تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الخليجية أو بملفها النووي. واليوم نجحت المملكة العربية السعودية في تنظيم القمة الخليجية الثانية والأربعون. وجاء بيانها الختامي ليبث روح الأمل من جديد في تحقيق آمال شعوب المنطقة. وعلى كل حريص أن يرفع شعار الأمل ويبدأ العمل -كل من موقعه- لتحقيق الأهداف النبيلة التي جاءت في البيان الختامي للقمة الذي أتى بعد دراسات معمقة لتداعيات كل الاضطرابات المحيطة بالمنطقة ووضع استراتيجيات لمواجهة كل هذه التحديات. وذلك لأن الظروف المحيطة بهذه القمة تفترض تنسيقا واستراتيجيات على مستوى الواقع، وبالتالي يلزم من ذلك أن تكون القرارات ذات بعد استراتيجي يرسم ملامح قوية ومتينة للأمن والاستقرار لشعوب المنطقة فكانت الآمال وقد صدقت أن يكون كل ما سبق تحت مظلة سياسية عمادها تنسيق السياسة الخارجية لدول التعاون للخروج بموقف موحد تجاه القضايا العربية والإقليمية يخدم دول المجلس في المحافل الدولية، ويضمن عدم التدخل في القضايا الداخلية لدول المجلس. النجاح في الجانب الاقتصادي خلال القمة كان حاضراً في القمة الخليجية التي أكدت على ضرورة متابعة أهداف (الرؤى الاقتصادية الخليجية) فمن المعروف أن لدى كل دولة خليجية خطة اقتصادية تسعى حثيثاً لتطبيقها، ولا شك أن تنسيق التطبيق بين دول المجلس قد يُسرع بتحقيق أهداف هذه الرؤى، ويوفر تنسيقاً بين مشروعات الدول الخليجية. ولقد ركزت القمة على استكمال طرق المواصلات بين دول الخليج بشتى أنواعها من طرق برية وسكك حديد وركزت كذلك على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل دور الشباب في الاقتصاد فمن المعروف أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي عصب الاقتصاد في كل دولة ولم تنس القمة كذلك التركيز على ضرورة تطوير الاتصالات في دول الخليج العربية، وذاك عامل مساعد في تطوير التجارة والعلم في دول الخليج. ولا ننسى هنا أن الجولة التي قام بها صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان إلى دول مجلس التعاون قبيل القمة كُللت بافتتاح الطريق البري السعودي العماني الذي يبلغ (725) كيلو متراً، وإسهامه في سلاسة تنقل مواطني دول المجلس، كما كان لتلك الجولة الأثر الأكبر في إنشاء مجلس التنسيق السعودي الكويتي، وكذلك التحرك نحو إعادة تشكيل مجلس الأعمال السعودي القطري وبالتالي فتح آفاق الاستثمار بين دول مجلس التعاون. واليوم تتأكد تطلعات قادة دول المجلس إلى استكمال بناء تكتل اقتصادي خليجي مستقر، من خلال إيجاد بيئة جاذبة ومحفزة تعتمد على تنويع مصادر الدخل، وإطلاق إمكانات القطاعات الاقتصادية الواعدة، ومواكبة التطورات التقنية العالمية في جميع المجالات، ومن ثم تحقيق أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، والتعامل مع ظاهرة التغير المناخي، من خلال تزويد العالم بالطاقة النظيفة ودعم الابتكار والتطوير، حيث كانت المملكة سبّاقة في إطلاق مبادرتَي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر برعاية سمو ولي العهد محمد بن سلمان. القمة الخليجية كانت بلا شك قمة لصون أمن دول الخليج العربي، وعكست دور المملكة الرائد والمميز في خدمة قضايا الأمة العربية إلى جانب ترسيخ التماسك بين الدول الخليجية، والنهوض بسبل وآليات التنسيق الخليجي، وتحديد الأولويات للمرحلة المقبلة فالعلاقات الأخوية الراسخة والمزدهرة بين دول مجلس التعاون الخليجي قائمة على التاريخ المشترك ووحدة المصير والمصالح المتبادلة ويمكن أن نطلق عليها أنها ركيزة أساسية لتحقيق تطلعات وطموحات قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لضمان رفاهية أفراد المجتمعات ومواجهة كل التحديات وتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الأعضاء وصولا لبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة تخدم تطلعات وطموحات شعوب دول الخليج وتحفظ مصالحها ومكتسباتها، وتحقق الدعم والترابط الاستراتيجي بين السياسات الاقتصادية والدفاعية والأمنية لتحقيق الأهداف والتطلعات المشتركة... إنها كما عبارة الكاتب المصري الأشهر توفيق الحكيم قمة (عودة الروح) إلى الخليج الذي هو (قطب الرحى) للعالمين العربي والاسلامي.