اختتمت مؤخراً وزارة الثقافة متمثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة عام 2021م بحدث ثقافي فلسفي مميز هو «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة»، الذي يُقام لأول مرة في المملكة العربية السعودية، ناشرًا عبق الثقافة الفلسفية حول العالم باستضافتها في العاصمة الرياض نخبة من المفكرين ومشتغلي الحقل الفلسفي في المملكة العربية السعودية، وأساتذتها في أعرق جامعات العالم تحت سقف الإبداع، والتطلع للمستقبل، ساعية لبناء مفاهيم التعايش والوقوف على القيم الإنسانية المشتركة من خلال فهم الإنسان للعالم حوله. لقد حققت هيئة الأدب والنشر والترجمة بهذا المؤتمر حلمًا ثقافيًا طال انتظاره، هادفًا إلى تأصيل فكرة الفلسفة التي اتخذت في المملكة العربية السعودية مسارات متعددة بين المؤيد والرافض، ورسم حدودها الصحيحة، مغلقة باب الأفكار التي ترى في الفلسفة فكرًا منصرفًا عن المبدأ الإسلامي؛ مبتدئة الجلسة الحوارية الأولى بمحاضرة تحمل عنوان: «الفلسفة في الإسلام: وجهات نظر من تراثنا»، لينقل متحدثو الجلسة بعض المفاهيم التي تبنّتْ الفكر الفلسفي في ظل الرؤى الإسلام والمتمثلة بالحرية المبنية على التعددية الثقافية، ومفاهيم العدالة والمساواة، وغيرها من المفاهيم الإنسانية التي يؤكدها الدين الإسلامي. كما تتمثل أهمية المؤتمر بتأكيده على طرح الأسئلة الفلسفية الجوهرية التي يحتاج إليها الإنسان في مواجهة التحديات اليومية، والحضارة المتسارعة التي تجعل من كل يوم جديد يشرق على الإنسان وكأنه عالم آخر. يساعد طرح هذه الأسئلة على فهم العالم، والتعايش معه من خلال تيسير التواصل مع الآخر بجرأة حوارية مفتوحة، ومواجهة موجة ثقافية متباينة تجعل من الشخص قادرًا على اتخاذ القرارات الصائبة في أمور حياته. وقد استطاع المؤتمر تحقيق أهدافه؛ بتوفيره مساحة حوارية تجمع مفكرين ومهتمين بالفلسفة من جميع أنحاء العالم، وبمختلف الثقافات الفلسفية. كما تبنى المؤتمر طرح أفكار تصب في عمق التفكير الإنساني، والتواصل مع الآخر. مساهمًا في بناء جسور التواصل والتعاون مع جهات ثقافية متميزة. وقد أحسنت هيئة الأدب والنشر والترجمة في اختيارها (مكتبة الملك فهد الوطنية) مكانًا لإقامة مؤتمر ثقافي عالمي في صرح ثقافي وطني يتميز بالفخامة والإبداع السعودي، مظهرًا للآخر اهتمام المملكة العربية السعودية بالعلم والثقافة. كما تميزت بالتنظيم، واختيار شراكات رائعة كشفت عن جهود ثقافية سعودية بذرت لصروح ثقافية تواكب تطلعات المملكة. أترقب رؤية فكر فلسفي سعودي، ذي مستوى إنساني أخلاقي واعٍ، يعزز قيم التعايش في المجتمع، ويساهم في تطوير التفكير لدى الأجيال القادمة التي تعيش معظم يومها في تحاور مع الآخر، فعالم التقنية والإنترنت جعلت الأجيال تعيش أمام نافذة مفتوحة على العالم، تحتاج منها الوقوف على من نحن؟ وكيف نفكر؟ وكيف نطور المستقبل؟