إنّ الفطرة البشرية خيّرة بطبعها محبّة لفعل الخير والعطاء، حيث يجد الإنسان السعادة والراحة إذا أعطى ورأى ثمار ذلك العطاء، والله -عز وجل- حث على ذلك بقوله: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ۖ» [المائدة: 2]، فجعل حبّ الخير للنَّاس من الدلائل على كمال الإيمان؛ فعندما يُحِبّ الإنسان فعل الخير للغير يرتقي بأخلاقه فينعكس ذلك على المُجتمع الذي يعيش فيه باعتباره جزءًا منه، فالفطرة السليمة تدعو الإنسان دائمًا إلى تقديم الخير وتنحية الشر بالشكل النهائي. وإذا أردنا التحدث عن فعل الخير؛ فإنّنا لا نستطيع ذلك دون أنْ نذكر الأعمال التطوعية ودورها في التأطير، والتَّأسيس، لِبناء وتربية الفرد والمُجتمع، فهي من أكثر الأمور عطاءً والأبرز في تطوير الأنفس والمجتمعات، حيث يقول تعالى: «فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ» [البقرة: 184] والتّطوّع ظاهرة اجتماعيَّة وُجدَت على مر العصور مُنْذُ بدء الخليقة وحتى وقتنا الحاضر، ولكنها تختلف في أشكالها ومجالاتها وطريقة أدائها وفقًا لتوجيهات وعادات وتقاليد تنسجم مع ثقافات ومعتقدات دَّينِيَّة لكل عصر. وسواء كان العمل التّطوّعيّ فرديًا أو جَماعيًّا، فإن هدفه الأسمى هو إشباع حاجات النَّاس وحلّ مشكلات المُجتمع، والمحافظة على القيم الإنسانية، فالتّطوّع يجسّد مبدأ التكافل الاجتماعيّ بصوره المتعددة، ويزيد من دوافع الانتماء للوطن وحبّ عمل الخير، فهو وبلا شك وسيلة للنهوض بالمُجتمعات، باعتباره أداة من أدوات التَّنمِيَة الاجتماعيّة. وفي ظل العمل التّطوّعيّ وكونه من سمات المُجتمعات الحَيَوِيَّة، ولدوره في تفعيل طاقات المُجتمع، وإثراء الوطن وسَوَاعِدهُم. فقد أطلقت المملكة العربية السعودية (المنصة الوطنية للعمل التّطوّعيّ) ضمن برنامج التحوّل الوطني لرؤية 2030، حيث يُمْكِنُ عبر المنصة فرصة الالتحاق بالتّطوّع في أيّ مكان وزمان، وفي المجال الذي يتناسب مع الخبرات والمهارات، كما تُتِيح المنصة توثيق الساعات وإصدار الشهادات التّطوّعيّة. حيث بلغ عدد المُتطوِّعِين في عام 2019م 16 % من السكان وذلك بحسب مسح الهيئة العامة للإحصاء. ولعل فئة الشباب هم أكثر الفئات المستهدفة في الأعمال التّطوّعيّة؛ كونها تشكّل مجالًا مهمًا لصقل مهاراتهم وبناء قدراتهم، فهم وسيلة لتطوير مجتمعاتهم؛ وذلك لما يمتلكون من طاقات ومهارات وإمكانيات وقوة مؤهلات تدفعهم للقيام بهذا العمل الخيري، وليمارسوا ولاءهم وانتماءهم لمجتمعاتهم.