يولد الإنسان في لحظة خالدة من تاريخ البشر فينشأ نشأة بسيطة.. مخلوق صغير كرمه الله تعالى دون سائر المخلوقات.. حياة في منتهى الدقة والإتقان تذكرك بعظمة الخالق جل وعلا.. ويكبر رويداً رويداً ليتعلم أساليب حياته.. وينتقل في أطوارها.. وينهل من علومها.. وينمي ذاته حتى يصير شيئاً ذا بال، يشتدّ عوده ويظهر نفعه.. ويينع ثمره ...ويمتد أثره.. لتستفيد منه البلاد والعباد وتنتشر أفياؤه فيستظل بها الحاضر والباد. وهكذا تمر السنوات الطوال، والرغبة في العمل تتزايد.. والحرص على السعي يتجدد.. والإنجازات تتوالى، وقطار العمر يسير إلى محطات كثيرة متعددة بعضها تستدعي التوقف عندها والمكوث فيها، وبعض آخر يكون المرور عليها مرور الكرام والسلام عليها تلويح سريع باليد أو ربما بالعين!! وفي لحظة معلومة لدى الجميع يبدأ سير القطار بالهدوء والتروّي وكأنه يُشعر المشاركين فيه بأن لحظة الوصول قد حانت.. وأن المحطة القادمة ستكون مختلفة تماماً عن كل محطات الحياة!! لحظة حافلة بسجل العطاء.. ونسيج الذكريات.. وتفاصيل العمر.. ومواطن الفرح.. وأمارات الخير. إن أول الخير في هذه المحطة طموح الإنسان أن يدخل في ثلة الخيرية التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) ومن الخير أنه يوماً بل أياماً متعددة ومواقف كثيرة كان فيها عوناً لعباد الله على قضاء حوائجهم وإنجاز معاملاتهم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)؛ ومن الخير أيضاً أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم، وفي الغالب أن الموظف في رحلته العملية يخالط كثيراً من الناس: رؤسائه في العمل، وزملائه وجمهور المستفيدين. ومن الخير أن أفضل عمل الإنسان ما كان من كسب يده، قال صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل من عمل يده». ويتضمن الخير الأجر العظيم الذي يتحقق بنفقته على نفسه وأهله وعياله فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا، فقال رجلٌ يا رسولَ اللهِ عندي دينارٌ قال: تصدق به على نفسِك، قال: عندي آخرُ قال: تصدق به على زوجتِك، قال: عندي آخرُ، قال: تصدق به على ولدِك قال: عندي آخرُ قال تصدق به على خادمِك، قال: عندي آخرُ قال: أنت أبصرُ. فكلّ ما أنفقه الإنسان على نفسه وأهله وولده أجر وبرّ وصدقة وصلة. إن بلوغ الإنسان مبلغاً عمرياً نعمة من الله تعالى تشهد له بحسن السيرة والسريرة.. وتذكره بمواقف لا تنتهي عجائبها ولا تنقضي ملائحها. إن تلك الفئة الغالية على قلوبنا تستحق منا كل تقدير واحترام.. وشكر وثناء.. وحب ودعاء ومن هنا فيطيب لي أن أسميهم «المتصاعدون»! ويستحقون بعد أن وصلوا قمة المجد أن نُطلق عليهم اسم «المتصاعدون» وهم بالفعل لهذا الاسم مستحقون فهم حقاً متصاعدون في العطاء والبذل والتضحية والتفاني، متصاعدون في سُلّم المجد، متصاعدون في ميدان الخبرة المهنية والحكمة الحياتية والقيمة الإنسانية. إن ديننا العظيم يحرص على تقدير تلك الفئة العمرية تقديراً إنسانياً باعتبار ذلك من القيم التي تُبنى عليها ثقافة المجتمعات وراقي العلاقات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحمْ صغيرَنا، ويُوَقِّرْ كبيرَنا»وهم بخبراتهم ونجاحاتهم جديرون أن يُتخذوا مستشارون في القطاع الخاص والعام وخبراء في مجالاتهم وتخصصاتهم. وأن تُوثق سيرهم وتدوّن تجاربهم وتُرصد أعمالهم وتُحفظ مآثرهم ويُحتفى بهم على مستوى مؤسساتهم وعلى مستوى الوطن. فكل من استثمر عمره في خدمة وطنه ونفع الناس سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص يستحق الشكر والتقدير والثناء وصادق الدعاء. إن وجود قوائم بأسمائهم وخبراتهم ووسائل الاتصال بهم والتواصل معهم لدى جهات الاختصاص يجعل الاستفادة منهم قريبة المنال؛ خاصة في ظل حرص كثير من الشركات على استقطاب الكفاءات والخبرات من شتى أنحاء العالم، فأبناء الوطن أولى بالاستفادة من خبراتهم محلياً ويمكن أيضاً تصديرها للعالم؛ في وقت أثبت فيه المواطن السعودي بخبرته العالية ومهنيّته المميزة قدرته على التنافس الشريف على كافة المستويات. * وتهيئة أندية خاصة بهم يمارسون فيها مهاراتهم وهواياتهم أمر جدير بالعناية. وتخصيص بطاقات تقدير لهم من مختلف مؤسسات المجتمع أمر نترقب تحقيقه في مسارات متعددة: بطاقات توفير، خصومات، عروض مجانية وأولوية في أمور كثيرة منها: أماكن الانتظار، الفحوص الطبية الرعاية المجتمعية، الاستضافة الثقافية والأماكن السياحية والتراثية... نعم يوجد شيء يسير من ذلك ولكن طموحنا أن تُفرِد المؤسسات الوطنية في القطاعات المختلفة إدارات متخصصة للعناية بهم واستثمار جهودهم وتقديم الخدمات لهم. وللمتصاعدين نقول: شكراً لكم بكل لغات العالم، شكراً لسنين العمر التي بالعطاء بذلتموها ونصائحكم التي بالإخلاص قدمتموها، وأرواحكم التي بالحب مددتموها، وأياديكم التي بالخير بسطتموها.. ولكل أسرة أشرقت فيها شمس أحد المتصاعدين وأضاء فيها سناه: الحمد لله الذي منّ عليكم بقلب رحيم وعقل حكيم، حريّ بكم أن تمطروه بحبكم، وتغدقوه باهتمامكم، وتكرموه برعايتكم، وتقدّروا بذله عبر السنين.. فمكوثه الآن بينكم محطة خالدة من محطات العمر.. ازرعوها بالورود وأمطروها بعذب الماء والحياة.. جَمَع الله شملكم وأدام إلْفَكُم. والله بفضله ورعايته يتولاكم.