حرصاً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - على التواصل مع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعزيزاً لروابط الأخوة بين دول المجلس لخدمة مصلحة شعوبها، وجه مقامه الكريم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - للقيام بزيارات رسمية لدول المجلس للالتقاء بأصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس. هَدفت الزيارات إلى تعزيز روابط الأخوة بين دول المجلس من خلال بحث سبل تقوية العلاقات التي تربط المملكة بدول المجلس وتربط دول المجلس ببعضها البعض وتعزيزها في كافة المجالات، سيما في ظل التحديات الإقليمية التي تحيط بالمنطقة، والتي تأتي في مقدمتها وعلى رأسها، التهديدات والأزمات الجيوسياسية التي تفتعلها وتتسبب فيها دولة إيران ووكلاؤها في المنطقة. كما وهَدفت الزيارات إلى الرفع من مستوى التنسيق السياسي بين دول المجلس وخلق المزيد من فرص التعاون الاقتصادي فيما بينهما، وبالذات في ظل ما يحل بالعالم من أزمات اقتصادية بين الحين والآخر تستلزم التنسيق والتعاون بين دول المجلس لمواجهتها والتعامل معها للتخفيف من تداعياتها السلبية المحتملة على أداء اقتصادات دول المجلس. ولعله من المهم الإشارة إلى أن جميع دول المجلس تبنت تطبيق رؤى اقتصادية طموحة، تَسعى إلى تنويع مصادر الدخل القومي بعيداً عن النفط لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تحقق الازدهار الاقتصادي لدول المجلس وتحقق في نفس الوقت التقدم والازدهار لشعوبها، حيث على سبيل المثال تتبنى المملكة العربية السعودية تطبيق رؤية المملكة 2030، في حين تتبنى سلطنة عُمان تنفيذ رؤية 2040، بينما تتبنى مملكة البحرين ودولة قطر تطبيق رؤية 2030. هذه الرؤى لدول المجلس تتقاطع في مستهدفاتها وتربطها قواسم مشتركة عديدة، باعتبار أن اقتصادات دول المجلس متجانسة إلى حد كبير كون أن جميعها لا تزال تَعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي، مما يفرض الحاجة إلى المزيد من التنسيق بين تلك الرؤى للاستفادة من الخبرات وتعظيم المنافع المتوخاة منها. لعله من حسن الطالع الإشارة إلى أن تلك الزيارات قد تزامنت مع قرب موعد انعقاد القمة الخليجية الثانية والأربعين خلال الشهر الحالي بالعاصمة السعودية الرياض، مما سيساعد على تسهيل مهمة انعقاد القمة في أجواء يسودها روح التفاهم بين دول المجلس المرتكز على وشائج راسخة في الدين والجوار والعروبة والمواقف السياسية المشتركة والعلاقات الاقتصادية والتجارية المتجذرة، سيما وأن العلاقات بين دول المجلس اتسمت بالتعاون في مجالات حياتية ومعاشية عديدة منذ تأسيس المجلس في مطلع الثمانينات الميلادية، هذا بالإضافة إلى الاحترام المتبادل بين قيادات دوله والتفاهم حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وما يجمع بين أبناء شعوبه من وشائج الإخاء والمحبة والعادات والتقاليد العربية الأصيلة والموروث الشعبي الفريد. برأيي أن التحديات السياسية والاقتصادية التي تشهدها منطقة الشرق الوسط عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً، وبالذات في ظل ما تسببت فيه تداعيات أزمة الربيع العربي من اختلالات وإشكاليات سياسية واقتصادية لعدد من الدول العربية، فإن ذلك يفرض الحاجة إلى المزيد من التعاون والتنسيق بين دول المجلس بهدف تعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية فيما بينها والاستفادة من العلاقة الطويلة التي تربط فيما بينها، سيما وأن التاريخ شاهد عصر على ما تحقق بدول المجلس من إنجازات اقتصادية وتنموية وحضارية عديدة منذ إنشاء المجلس على مدى العقود الماضية والتي عَملت جميعها على تقوية دول المجلس اقتصادياً وسياسياً وتوحيد رؤاها المستقبلية إزاء العديد من القضايا المشتركة. أتطلع في القمة القادمة لدول المجلس طرح فكرة تبني دول المجلس لرؤية موحدة للمجلس تُحاكي الرؤى المختلفة لدول المجلس كرؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، وتنطلق في نفس الوقت من الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس التي تم التوقيع عليها في عام 2001 والتي تضمنت لتطوير شامل للاتفاقية الاقتصادية التي تم التوقيع عليها في عام 1981 والتي أرست قواعد العلاقات الاقتصادية بين دول المجلس وأُنشئت بموجبها منطقة التجارة الحرة التي قربت بين السياسات الاقتصادية لدول المجلس والمالية والنقدية وتشريعاتها التجارية والصناعية والأنظمة الجمركية المطبقة فيها. هذه الاتفاقية من وجهة نظري قد نجحت خلال العقدين الماضيين في تطوير العلاقات الاقتصادية بين دول المجلس وقربت من تحقيق المرحلة الأخيرة للوحدة الاقتصادية بإصدار عملة خليجية موحدة، بحيث تكتمل مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي المنشود لما هو في صالح دول المجلس وشعوبها.