في تواصلي مع مراكز الاتصال، أجد نفسي مراراً أرتدي قبعتين: قبعة طالب الخدمة الذي يقيم تجربة العميل (CX)، وقبعة الإداري الذي يتفحص تجربة الموظف (EX). على مستوى تجربة العميل، قلما يتحقق الرضا الكامل إلا مع جهات مميزة في خدماتها، تأتي في طليعتها «وزارة التجارة» التي يحرص فريقها على مساعدتك وحل مشكلتك من أول اتصال، وإذا تطلب الأمر المزيد من الوقت، فهم عنك يتجشمون عناء المتابعة. في المقابل، هناك مراكز اتصال كل همها إقفال البلاغات، وهي تجهل أو تتجاهل أن العميل سيضطر إلى معاودة الاتصال، لأن البلاغ أقفل ولم تنحل المشكلة، وكان الأجدر أن تركز على المؤشر الأهم، وهو: معالجة البلاغ من أول اتصال (FCR)، كما تفعل وزارة التجارة. كما أن بعض الشركات تتذاكى على العميل حين ترغمه بطريقة غير مباشرة على استخدام رقمها (9200) المحسوب عليه، بينما تضيق عليه محاولات الاتصال برقمها المجاني (800) إن كان متوفراً، وذلك بعدم التجاوب أو فصل المكالمة أثناء الانتظار، وهذا ما يدعونا إلى توسيع نطاق القرار الحكومي الذي صدر مؤخراً، بحيث يتم إلزام كافة مقدمي الخدمة بالرقم المجاني، وإلغاء خاصية الرقم المدفوع من جيب العميل. وفوق هذا يدخلنا بعض مقدمي الخدمة في متاهة من «القنوات»، فمركز الاتصال يحيلك إلى الموقع الإلكتروني، والموقع يطلب منك استخدام التطبيق، والتطبيق تحمله في جوالك مؤملاً التحدث إلى موظف يفهمك وتفهمه، فتظهر لك خانة الدردشة (حالها حال «واتس» الأعمال)، لينتهي بك المطاف أمام «برنامج» لا يعطيك إلا ردوداً جاهزة ومعلبة لا يتفاعل مع مشكلتك! وبقدر ما نشعر بالانزعاج عند التعامل مع بعض مراكز الاتصال، فإننا نشعر بالتعاطف مع موظفيها حين نرتدي القبعة الأخرى. إذ سنلاحظ أن الكثير من هؤلاء الموظفين يكدحون في أجواء مغلفة بالضغط والتوتر، والعمل ستة أيام في الأسبوع، ويعملون خلال النوبة الواحدة لساعات طويلة دون فترات منتظمة للراحة، علاوة على تغير الجداول بشكل أسبوعي، مما يؤثر سلباً على صحتهم وجودة حياتهم، فيتعرضون للإنهاك الذي يدفعهم إلى عدم الاستمرار في العمل. لكن عند تبني جملة من المبادرات، يمكننا تحسين «تجربة الموظف» في مراكز الاتصال، مثل: (1) تحديد 5 أيام عمل في الأسبوع، (2) تغيير جداول العمل شهرياً، (3) الاهتمام بهندسة بيئة العمل (ergonomics) من حيث الاعتناء بالأدوات والبيئة المادية كنوعية الطاولات، المقاعد، السماعات، الإضاءة، التهوية، (4) توفير فرص التدوير الوظيفي للتناوب بين وظائف الاتصال المباشر ومساندة المركز، (5) وضع برنامج للتطوير الوظيفي يتيح للمميزين الانتقال إلى إدارات أخرى، (6) تدريب المشرفين على مهارات التعامل والتواصل. لقد أكدت الدراسات متانة العلاقة بين تحسين تجربة الموظف وتجربة العميل، وإذا أدرك القائمون على مراكز الاتصال هذه المتانة، وأنه لا يمكن فصل تجربة عن الأخرى، فعندئذ سنشهد قفزة في الخدمات تسر خواطرنا، وتعصمنا من التيه في الدهاليز! * مستشار في الموارد البشرية