يبذل الوالدان الغالي والنفيس كي يعيش أبناؤهم أفضل حياة؛ فهذه فطرة الله التي فطرهما عليها فمن حين تزف لهما بشرى المولد وهما يكنفانه بالرعاية والاهتمام، ويحوطانه بالعطف والرحمة كل أمنياتهم أن تثمر هذه الغرسة برًا وصلاحًا وعلمًا وإنجازًا ولا شك أنهما يسعيان لسلوك أفضل الطرق؛ لكن ما الطريق الممهد لبناء إنسان يفيد نفسه ومجتمعه ووطنه. هناك مؤشرات ستحدد وتتنبأ بصناعة جيدة لهذا الإنسان أهمها مستوى التعليم والوعي والمسؤولية وثقافة المجتمع لدى هذين الوالدين، أو من يقوم بتربية هذا الطفل. وكل ما قلَّ تعليم ووعي الأسرة انصب تركيزها في تربية أبنائها على الجوانب المادية كالملبس والمشرب والمطعم، وبعض الاهتمامات الشكلية والصحية ومع أهمية هذه الاحتياجات الضرورية التي نسميها الرعاية إلا أن جانب التربية، وإعداد الشخصية للحياة منذ الصغر هما الجانب المهم في مواجهة النشء للصعوبات بثبات ونجاح. يقول أبو العلاء المعري: وينشَأُ ناشِئُ الفِتيان منَّا على ما كانَ عوَّدَه أبُوه وهذا الجانب التربوي رغم أهميته إلا أنه لا يحظى بذلك الاهتمامالذي يلقاه جانب الرعاية، وإن أول خطوة في بناء الإنسان تربويًا بناؤه على مستوى الفكر من خلال زرع القيم الإنسانية العالية، والمعتقدات الدينية والأخلاقية، وصناعة عقول حرة غير قابلة للأدلجة، والتبعية وخلق ضمير حي أمين يحاسب النفس على تجاوزاتها. والمربي الحاذق دائم عينه على اهتمامات النشء منذ الصغر؛ فيوجهها ويدعمها لتكون اهتمامات قيمة ومفيدة كالاهتمام بالعلم والعمل والثقافة، والمهارات لا تنفك عن الاهتمامات فكل مهارة ابحث خلفها عن اهتمام، ورعاية كمهارة الإلقاء والكتابة والإدارة والتي من مخرجاتها ظهور القادة والمبدعين، وتطور مجال الاختراع والبحث العلمي. وعلى المربي أن لا يغفل عن متابعة نمو النشء على الجانب العقلي والنفسي والوجداني والاجتماعي"؛ حتى لا يضيع النشء في دهاليز المرض والجريمة ومن أهم ما يجب أن يتعلمه النشء في المعادلة الاجتماعية العلاقة مع الأسرة والأقارب والأصدقاء والمجتمع، وتعلم احترام الآخرين، والتفريق بين الثقة في النفس والغرور القاتل اجتماعيًا، واختيار القدوات والتفريق بين الاتباع الأعمى والتأثر المفيد مع بناءشخصية مستقلة وواثقة في قدراتها. ويتحمل المجتمع قبل هذا كله صناعة أسرة صالحة واعية تتحمل مسؤولية تربية الأبناء، وتسلك السبل الصحيحة في ذلك فما الفائدة من إنسان صحيح الجسد خامل الفكر عبء على نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه؟!