فجعت الساحة الثقافية والإعلامية بوفاة الأستاذ الإعلامي الأديب المثقف علي محمد العمير الذي وافته المنية الجمعة الماضية بعد مشوار طويل مع الثقافة والأدب والإعلام. ونعاه عدد من المثقفين والإعلاميين الذين أجمعوا على أن رحيله شكل لهم صدمة كبيرة ولكنها إرادة الله. من الذين رافقوا الأستاذ الأديب علي العمير رحمه الله خلال مشوارة الثقافي الإعلامي الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير جريدة عكاظ سابقا والذي يقول: العمير كما عرفته البدوي النظيف ويشكل الفقيد بالنسبة لي قوة الدفع الأولى للتحول من كتابة الخبر والخواطر العابرة في الصحف المحلية وفي بداية حياتي إلى كتابة الدراسات المعمقة وبالتالي الانغماس في قراءة المراجع والمصادر ولاسيما التاريخية منها لتوفير الأسانيد والشواهد وتوثيق المعلومات التي أقوم بطرحها حول مسائل دقيقة وحساسة بالرغم من انني لم اتجاوز بعد السادسة عشر من العمر آنذاك. حدث هذا عندما تولى -يرحمه الله- مسؤولية إدارة تحرير مجلة الجزيرة التي أصدرها وتولى رئاسة تحريرها الأستاذ «عبدالله بن خميس» يرحمه الله - في الرياض عام 1379ه كمجلة ثقافية متنوعة جمعت بين كل صنوف الأدب والثقافة وألوان المعرفة المختلفة وكانت المجلة تصل إلينا في جازان مع بقية الصحف والمجلات العربية بسيارة البريد كل خمسة عشر يوماً. وكنت أجد في قراءتها متعة كبيرة وفائدة لاحدود لها وقد شجعني محتوى المجلة الرصين كثيراً على أن أتوسع في القراءات الجادة ودفعتني بعد ذلك إلى كتابة دراسة عن حياة زوجة رسول الله محمد بن عبدالله السيده «زينب بنت جحش» وظروف زواجها به عليه أفضل الصلاة والسلام وبعد نشر الدراسة تلقيت رسالة من الأستاذ «علي محمد العمير» وكان حينها يعمل بوزارة المواصلات بالرياض وتحديداً في مكتب وكيل الوزارة آنذاك «الشيخ عبدالله بن خميس» يرحب فيها بمقالاتي ويشجعني على كتابة المزيد من الدراسات المماثلة لتلك الدراسة المنشورة في العدد. الذي وصلني مع رسالته تلك ولم اسعد في حياتي من قبل كما سعدت بتلك الرسالة ونشر الدراسة على صفحتين في المجلة واحسب ان تلك الدراسة على قدر تواضعها قد فتحت لي الباب على مصراعيه لكي اعطي المزيد من الاهتمام لقراءة المصادر التاريخية كما هي نصيحة الأستاذ علي العمير وتوجيهه آنذاك ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كانت هذه الدراسة سبباً في قيام معركة كتابية بيني وبين اخي وصديقي علوي الصافي بسبب الاختلاف بيننا حول بعض تفاصيل تلك الدراسة وهو ماعرف بنا اكثر لدى قراء المجلة وقدمنا لهم بصورة تفوق أعمارنا ومخزون ثقافتنا بفعل دعم وتشجيع الأستاذ علي العمير حدث هذا في عام 1380ه وهو عام تعرفي على الأستاذ العمير بعد اول زيارة قام بها لجازان بعد ذلك. وسعدت باستضافته بحضور بعض الإخوة والأصدقاء من محبي القراءة والاطلاع وكان منهم الأخ والصديق علوي طه الصافي الذي اختلفت معه على صفحات الجزيرة وان كنت وإياه وبعض الإخوة وشباب جازان نتشارك في تحرير صفحة أسبوعية في جريدة الندوة بعنوان «الجنوب» واذكر منهم الأخ والصديق محمد عبدالرحمن الدريبي والأخ والصديق حمد علي مسرحي رحمه الله. ولأول مرة أتعرف فيها على الأستاذ «العمير» واعرف منه الكثير من تفاصيل حياته الأولى بقرية «الجرادية» بمنطقة جازان وألحظ عليه مدى اعتزازه بانتمائه الى قبيلته ودوره فيها كمرشح لمشيختها. الى جانب تدرجه المبكر في العمل في المحكمة الشرعية وتقمصه شخصية القاضي الصغير قبل ان يرحل إلى الرياض ويبدا مشوار حياته العملية والثقافية والإعلامية في آن معاً. وبمرور الأيام وتغير المكان والزمان والظروف كان الأستاذ العمير يزداد تألقاً من خلال طروحاته الأدبية ومناكفاته الجادة وبروز شخصيته الكتابية الناقدة والساخرة على صفحات الصحف والمجلات ومن خلال الإصدارات العديدة التي نشرها وبرزت من خلالها شخصيته المتميزة عرف القراء والوسط الثقافي والإعلامي «ابا فوزي» يرحمه الله كصاحب قلم قوي يهابه الآخرون ويتجنبون الاحتكاك به او الصدام معه لأنه كان دائماً حاضر الحجة قوي المنطق ومفحماً في بعض الأحيان؛ وعندما قرر يرحمه الله ان تستقر حياته في جدة حرصت على ان تكون «عكاظ» زمن رئاستي لتحريرها اول من يخط قلمه بالكتابة فيها. وبالفعل اصبح العمير كاتباً لعمود يومي بعنوان «تحت الشمس « في الصفحة الأخيرة من الجريدة لسنوات طويلة شهدت الكثير من المعارك بينه وبين الزملاء المشرفين على استقبال وتهيئة مقالات الكتاب للنشر في الجريدة وكان دوري بينهما هو تهدئة المواقف وتذليل العقبات وضمان استمرار النشر بما لا يرتب مسؤولية على الجريدة ولا يغضب الكاتب نفسه وقليلاً ماكانت وساطتي تفشل مع ابي فوزي عندما كنت احاول ان امتص غضبه واخفف من ثورته وأوضح له مبررات التوقف عن بعض العبارات الحادة في مقالاته او الساخرة بعنف فيها. ذلك ان العمير يرحمه الله كان عنيفا. في بعض مقالاته وطريقة دفاعاته عن آرائه كما كان صعباً في القبول بآراء الآخرين لقناعته التامة بآرائه وإصراره على عدم التنازل عنها بسهولة ويسر لكن من يعرف العمير عن قرب يرحمه الله كان يدرك انه رجل لطيف وأنه عندما يتصرف كشيخ قبيلة فإنه يصدر في ذلك عن نية صافية وطبيعة نقية قل ان تتوفر إلا في بدوي يملك جميع صفات الرجل رغم خروجه من القرية الى المدينة في وقت مبكر ورغم امتلاكه لكثير من صفات الحكماء والدهاة في زمن الأنقياء عليه رحمة الله ورضوانه. حيث قال د. علي الرباعي -كاتب وباحث-: "العمير نموذج فريد للمثقف المنتمي". ويضيف: "كنتُ عام 1399ه، في المرحلة المتوسطة، وذات ظهيرة أحضر أبي -رحمه الله- للمنزل، صحيفة الجزيرة، كانت عدد جمعة ماضية، وعلى صفحتين داخلها قرأتُ حوار ذكريات أجراه الراحل محمد الوعيل -رحمه الله- مع الأستاذ علي العمير -تغمده الله بالرحمة-، افتتنتُ بالحوار، وأعدتُ قراءته مراراً، واحتفظتُ بالجريدة زمناً. بعد ما يزيد على عشرين عاماً، بدأتُ الكتابة في صحيفة البلاد، وتفاجأتُ ضحوية يوم خميس باتصال كريم منه، وطلب عنواني وبعث لي مجموعة كتب في كل فن. وعندما انضممتُ لصحيفة الحياة محرراً متعاوناً، تشرفتُ بلقائه في منزله في مشروع الأمير فواز، وطلب مني عدم الانقطاع، وتكررت الزيارات، ثم أجريتُ معه حواراً شيّقاً لا أنسى تفاصيله. منذ ثلاثة أيام تواصلتُ مع الزميل وليد العمير، وطلبتُ رقم هاتف أتواصل فيه مع (أبو فوزي) وكأنما الإيحاء تلبسني أنه يريد سماع صوتي، ومع الأسف لم أفز بهذا الشرف. علي العمير مثقف منتم لوطنه وعروبته ودينه، وكان نموذجاً فريداً في عشقه للمعرفة، وحبه للخير والجمال والأدب والفن، وكان إنساناً لطيفاً ومُهاباً". ويقول الناقد الدكتور عادل خميس -كاتب وشاعر-: "تفقد الصحافة بفقد العمير واحداً من أعمدتها، وأساتذتها الذين أعطوا لها عمراً كاملاً. كنا من الجيل الذي عرف الصحافة عبر إسهامات العمير وجيله. نعم، كان ابتعاده بسبب المرض انقطاعاً في مسيرته الصحفية العريقة، لكنّ عمله، وحواراته، وقضاياه الساخنة التي كان يخوضها، كانت وقوداً ثقافياً ومهنياً لنا ننهل منه، ونستفيد. ما زلت أتذكر كيف كان اسمه وصدى أعماله ومقالاته يتردد في كل مكان، وأنا أنبش أرشيف الصحف ومراكز المعلومات، لألمس شغفه الصحفي، وحرصه الثقافي بين ثنايا ما أقرأ. ينتمي العمير لجيل الصحافة الجميل، ذلك الذي رسخ في قلوبنا أهمية الكلمة، وعظمة رسالتها". وشارك الإعلامي عبدالله الطياري وهو ما زال يعيش وجع الغياب قائلاً: "لا أدري من أين أبدأ بالكتابة عن أستاذي علي العمير -رحمه الله- الذي كانت وفاته صدمة للجميع، ولكن نقول إن لله وإنا إليه راجعون، وهنا أتناول مرحلة من مراحل توهجه وهي مرحلة العمير الكاتب، فما زال منظر خروجه لكل زيارة لعكاظ الصحيفة متأبطاً بعض الصحف عالقاً بالذاكرة، ونظرتي له نظرة ذلك المفتون بالكلمات التي يسطرها بمقاله اليومي بعكاظ كل يوم "تحت الشمس"، يتحدث فيها عن هموم الناس الآخرين وهو المثقل بالهموم ولا أحد يعرفها ويتحدث هو عنها، حتى فى عزلته رفض أن يتحدث لأحد أو يستعطف أحداً رغم سيل من الطلبات الصحفية لإخراجه ليتحدث إلا أنه رفض. هذا هو علي العمير -رحمه الله- الكاتب الجاد، الذي سخر نفسه ليكون صوتاً لمن لا يملك أدوات الصوت وكثيراً ما تعرض للألم بسبب ما يكتب من أجلهم، ورسخ مفهوماً بالكتابة أيامها وما زالت آثار هذا المفهوم راسخة فى داخل كل من أحب هذا الرجل وقلمه، وأعتقد أن علي العمير تأثر كثيراً بشموخ واعتزاز الكاتب والأديب الراحل حمزة شحاتة، حيث أن بينهما قاسم مشترك فى الخصال الذاتية، فلا يبوحان بما في دواخلهما للآخرين، بقي له علينا تكريمه كرمز، لذا أطالب أولاً أمانة جازان حيث مسقط رأسه، وأمانة جدة حيث أنه عاش كل حياته بها، وتحدث عن هموم إنسانها أن يكرم من قبلهما بإطلاق اسمه على أحد شوارعهما على الأقل، وكذلك على نادي جدةوجازان أن يقيما له أمسيات تكريمية، وليت نادي جازان يبادر بإطلاق جائزة أديبة باسم علي محمد العمير على غرار جائزة الشاعر محمد الثبيتي في أدبي الطائف". وعلى الصعيد الأسري يقول ابنه وليد علي العمير: "يطبق علي العمير مقولة سيدنا علي -كرم الله وجه- "استغن عمن شئت تكن نده" بحذافيرها، فهو استغنى عن العالم وأصبح نده ونظيره. علي العمير على المستوى الشخصي لا يمكن أن يتشفع لأحد أبنائه أو أقاربه رغم كثرة محبيه، لأنه يراها طلباً يجعله يحتاج للآخر لهذا يرفض، ولكن لو كان الطلب لأي إنسان آخر فتراه لا يتردد نهائياً، ويقول: أشد أنواع البخل، البخل بالجاه. وفيما يتعلق بتعامله معنا فهو مزيج بين الشدة المتناهية التي تصل إلى مرحلة الدكتاتورية، وبين اللين اللامتناهي، ويستمع لك كأي صديق مقرب في عمرك، وإذا أراد أن يرسل رسالة يوجهها بطريقة سهلة غير مباشرة". العمير في سطور: أبصر علي محمد العمير النور في منطقة جازان وتحديداً في قرية الجرادية عام (1357ه)، واختلف إلى كتاب القرية، فأخذ من الشيخ محمد الحافظ الحكمي، والشيخ القرعاوي، وسرعان ما انتقل إلى المعهد العلمي السعودي بصامطة، بعدها عمل الشاب علي العمير كاتب ضبط بمحكمة الموسم، ثم انتقل إلى الرياض ليعمل في رئاسة القضاء عام (1381ه)، وفي الرياض بدأ يكتب في بعض صحفها، ومنها: مجلة الجزيرة (صحيفة الجزيرة) فيما بعد، وحين لمس منه مؤسسها الأديب الكبير الشيخ عبدالله بن خميس قدرته الصحفية وثقافته الواسعة وميله نحو الأدب أوكل إليه منصب مدير تحرير المجلة، ثم رأس تحرير مجلة "ندوة المواصلات"، وبعدها عمل مديراً لمكتب صحيفة البلاد في الرياضو وبقي كذلك إلى أن انتقل إلى الصحيفة نفسها في جدة ليكون المدير العام للإدارة بمؤسسة البلاد، استقال الكاتب علي العمير من الصحافة ليؤسس دار العمير للثقافة والنشر عام (1400ه) التي أصدرت كوكبة من المؤلفات الأدبية والنقدية والتاريخية والإعلامية مع بقائه كاتباً في صحيفة عكاظ ثم بصحيفة الشرق الأوسط وكذلك مجلة المجلة، إلى أن عاد بزاويته (تحت الشمس) إلى الزميلة عكاظ.. لم يستطع أديبنا العمير التواصل مع الكتابة إلا في فترات متقطعة وذلك بسبب العارض الصحي الذي أَلَّم به وأقعده منزله. وله من المؤلفات: "سنابل الشعر" و"لفح اللهب في النقد والأدب" و"معركتان أدبيتان مع العقيلي وطبانة" و"مناوشات أدبية" و"أدب وأدباء" و"حصاد الكتب" و"الوخزات في الأدب الساخر" و"ركض الخاطر" و"تحت الشمس" و"مناقرات صحفية" و"بداياتي مع الصحافة والأدب" وكانت آخر زواياه "تحت الشمس" في صحيفة "عكاظ". الأستاذ علي محمد العمير الذي جمع الثقافة والمعرفة والأدب، وكون الكثير من الصداقات التي ستبقيه بين أحبته، كما أن ما خلفه من إرث من مؤلفات ستبقى شاهداً على هذه القامة الثقافية الإعلامية التي كانت تصافح القراء عبر زاوية (تحت الشمس) التي لن ينساها من تابعها وتابع هذه الشخصية الثقافية التي قدمت لوطنها الكثير والكثير في مجال الأدب والإعلام. هاشم عبده هاشم: العمير له دور في تحولي لكتابة الدراسات د. علي الرباعي: نموذج فريد للمثقف المنتمي د. عادل خميس: فقدت الصحافة أحد أعمدتها عبدالله الطياري: كاتب حمل هموم الناس وليد العمير: كان سخياً بجاهه وعلمه في عزلته حين أنهكه المرض الراحل مع إحدى بناته