عبدالفتاح حسين راوه المكي - رحمه الله - من الشخصيات التربوية القديمة التي عاصرت بدايات التعليم النظامي، قضى جزءاً من حياته في التدريس بالمدارس في التعليم العام متنقلاً من مدرسة إلى مدرسة، فكان مديراً ومعلماً وأمين مكتبة مدرسية، وتخرج على يديه الكثير من التلاميذ في مكةوجدةوخميس مشيط، بل إنه أُجيز بالتدريس في المسجد الحرام، وأصبح له درس علمي وشارك بمؤلفات في العلوم الشرعية، فكانت حياته العلمية حافلة بالعلم والتعليم والتأليف، حتى بعد تقاعده النظامي استمر يُدرّس في المساجد، ودرّس في معهد الحرم المكي، وألقى العديد من المحاضرات، وفي هذه السطور تعريف به وبجهوده في العلم والتعليم والتأليف. هو عبدالفتاح إسماعيل بن محمد طيب راوه المكي وُلد عام 1334ه في مكةالمكرمة، ويذكر الذين ترجموا له كالشيخ محمد بن سعيد آل كمال - رحمه الله - في مقدمة كتاب (تاريخ أمراء البلد الحرام) ومقالة بصحيفة مكة بتاريخ الثامن عشر من ديسمبر لعام 2014م أن عبدالفتاح المكي درس في كتاتيب مكة على معلم وصفه المؤرخ آل كمال بالشيخ الصالح الورع عبدالحميد المليباري، ثم دخل مدرسة الخياط، ثم بعدها انضم إلى المدرسة الصولتية ومدرسة الفلاح ونال شهادتها عام 1353ه، وكان لعبدالفتاح نصيب كبير بالأخذ من علماء المسجد الحرام، ولازمهم ونهل من علومهم. علماء ومشايخ وسرد المؤرخ محمد آل كمال في ترجمته في مقدمة كتاب (أمراء البلد الحرام علماء المسجد الحرام)، المشايخ الذين لازمهم عبدالفتاح المكي ونهل من علومهم وهم: الشيخ المسند المشهور عمر حمدان المحرسي، وقد أجازه بجميع مروياته، وكتب له بذلك بخط يده وهذه الإجازة موجودة بثبت عبدالفتاح المكي بعنوان (المصاعد الروّاية إلى الأسانيد والكتب والمتون المرضية) وهو مطبوع، وكذلك أخذ عن الشيخ عيسى بن محمد رواس، ودرس على إبراهيم الخزامي المكي المقرئ، وأجازه عيدروس بن سالم البار وأخذ عن بكر بن سالم البار، وتعلم على يد المُحدّث حسن بن محمد المشاط، ومن العلماء بالمسجد الحرام الذين حرص عبدالفتاح المكي التلقي عنهم والقرب منهم والاستفادة من علومهم الشيخ يحيى أمان والشيخ محمد العربي التباني والشيخ علوي عباس المالكي، وأجازه بجميع مروياته، وكتب له إجازة بخطه في ثبته بعنوان (اتحاف ذوي الهمم العلية)، والشيخ محمد نور سيف، والشيخ زكريا عبدالله بيلا، والشيخ محمد أمين، والشيخ أحمد آل منصور الفقيه، وكذلك الشيخ عبدالرحمن أسعد اليمني، والشيخ محمد سليمان نوري، والشيخ عبدالسلام الداغستاني، والشيخ حامد كعكي، والشيخ حسن سعيد اليماني، والشيخ سعيد الخليدي، والشيخ أحمد ناضرين، والشيخ إسحاق عزوز، وجمهرة من العلماء والفقهاء والمحدثين أخذ عنهم العلم والبعض الآخر أجازه بمروياته، وهذا يدل على تعلق عبدالفتاح المكي بالعلم والعلماء في ذاك الزمن، واهتمامه بالإجازات العلمية، وهذا أنتج ثبته (المصاعد الروّاية)، حيث ذكر مشايخه الذين أجازوا بمروياتهم ومؤلفاتهم، وهذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الأسانيد، فالقرآن الكريم ثبت عن طريق التواتر بالأسانيد المتواترة بالقراءات السبع المتفق عليها، والحديث كذلك وصل إلينا بطريق الأسانيد. تربية وتعليم وعبدالفتاح المكي -رحمه الله- كما يذكر من ترجموا له أجيز بالتدريس عام 1357ه والإجازة معناها شهادة تؤهله أن يرتقى كرسي التدريس بالمسجد الحرام وكان عمره ثلاثة وعشرين عاماً، وهي سن صغيرة، لكن هذه الإجازة ليست مجاملة له، بل تعبر عن ما يحمله من علوم مكنته أن يدرس التلاميذ وأن يكون زميلاً لمشايخه في الحرم المكي. وفي عام 1357ه عُيّن مدرساً بدار الأيتام بمكةالمكرمة، واستمر بدار الأيتام حتى تاريخ 23 /9 / 1359ه، بذل في هذه الدار طاقته وجهده في التربية والتعليم لهؤلاء الناشئة الأيتام الذين فقدوا العائل، فهم في أمس الحاجة إلى العناية والتوجيه الأبوي والتربية على الاستقامة والأخلاق، والمُعلم هنا يقوم بدور الأب والمربي في آن واحد، وأعتقد أن عبدالفتاح المكي كان يملك قدرات المربي المعلم المخلص الصادق الأمين، هو وزملاؤه في هذه الدار، حينما كانت في بدايتها قبل تأسيس وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بعشرات السنين، وقد تخرج على يديه عدد من التلاميذ في دار الأيتام، فكانت الدفعة الأولى التي درسها قد شقوا طريقهم نحو الوظائف الحكومية وخصوصاً في المجال العسكري، فمنهم من عيّن في الجوازات بجدة وآخرون ترقوا في الرتب العسكرية. شخصية قوية وكانت المعارف إدارة قبل أن تصبح وزارة، ففي تاريخ 1359ه قرر عبدالفتاح المكي -رحمه الله- الالتحاق في التعليم العام، وفي هذا التاريخ تأسست أول مدرسة ابتدائية بخميس مشيط، فكان أول مدير لهذه المدرسة، وظل كذلك من عام 1359ه حتى عام 1362ه، وهنا المؤرخ الشيخ محمد آل كمال يذكر قائمة من تلاميذ الشيخ عبدالفتاح بخميس مشيط، فكان منهم موظفون تقلدوا مناصب قيادية ومنهم من درسه ونال الشهادة الابتدائية ثم أصبح زميلاً له في المدرسة ومعلماً يوم أن كانت الشهادة الابتدائية تؤهل للتدريس لندرة المعلمين، وهكذا أصبح عبد الفتاح المكي من روّاد التعليم بالمملكة، فهو شاهد عصر لبدايات التعليم الحديث، ومع شح الإمكانات المادية كانت المدارس في منازل من الطين والوسائل التعليمية قليلة جداً، وقد لا توجد، وليس ثمة مقاعد للتلاميذ، ومع ذلك كان المُعلم يتفانى في التعليم، والتلميذ يهابه أكثر من والده، حيث إنه ذو شخصية قوية وصارمة وحازمة ولا مكان للتساهل في المدرسة. وكانت شخصية عبدالفتاح المكي من هؤلاء المعلمين الصارمين من ذوي الحزم، وكان الجو العام والبيئة يساعدانه على هذه الأمور، ولعل من أشهر تلاميذه الأديب محمد الحميد -الرئيس السابق للنادي الأدبي في أبها- وقد درّس الحميد في مدرسة خميس مشيط في شبابه، وكانت هذه المدرسة يطلق عليها المدرسة السعودية وقد تغير مسماها إلى مدرسة مسلمة بن عبدالملك. وأهالي مدينة خميس مشيط يذكرون هذا الرائد عبدالفتاح المكي، فقد ترك في نفوسهم ذكرى جميلة وصدى طيباً، وأحبه الأهالي وعدوه أخاً لهم، وقد أثنى عليه محمد بن إبراهيم فايع في مقال كتبه عنه. أطول مدة وتُعد إدارة عبدالفتاح المكي -رحمه الله- لمدرسة خميس مشيط تجربة وخبرة في الميدان التعليمي النظامي، ولمّا طلب النقل إلى مسقط رأسه مكةالمكرمة نقل إلى مدارس جدة ودرّس بالمدرسة السعودية هناك، ثم توالى التنقل في مدراس مكة التي أحب أن يكون معلماً فيها، حيث إنه من قبل كان معلماً لأول مرة في دار الأيتام، فتعيّن عام 1365ه مُعلماً بالمدرسة الفيصلية، ثم انتقل وكيلاً لمدرسة الرحمانية عام 1373ه، وبعدها انتقل معلماً بالمدرسة الثانوية بالعزيزية عام 1379ه، وهذه الثانوية بمكة تعد من أشهر المدارس الثانوية، بل هي أول ثانوية بالمملكة، وكان يطلق عليها مدرسة تحضير البعثات، ثم تغير اسمها إلى العزيزية، وتخرج منها أعلام وشخصيات، وكان عبدالفتاح المكي وهو طالب علم وتربوي يعطي من علمه ومن خبرته في التربية في غرس الأخلاق الحميدة في نفوس التلاميذ وتهذيبهم، وهذه الثانوية هي أطول مدة ظل يدرّس بها، إذ إنه بقي معلماً فيها خمسة عشر عاماً، وتخرج على يديه أفواج من التلاميذ والطلاب، وفي عام 1394ه أحيل إلى التقاعد، لكن لصدق رغبته في التعليم تعين بمعهد المسجد الحرام الذي أسسه الشيخ عبدالله بن حميد حينما كان رئيس الإشراف الديني بالمسجد الحرام، ورغم أن الإجازات الصيفية فرصة للراحة من عناء التدريس إلاّ أن عبدالفتاح المكي استغلها في الدروس العلمية بمدينة الطائف بمسجد ابن عباس والهادي. إنتاج وتأليف وشارك عبدالفتاح المكي -رحمه الله- في التأليف، وبما أن تخصصه في العلوم الشرعية فقد كتب بقلمه عدة مصنفات أثبتها العالم العراقي علي جواد الطاهر في كتابه (معجم المطبوعات العربية بالمملكة العربية السعودية) وذكرها كذلك الشيخ محمد بن سعيد آل كمال في ترجمته للشيخ عبد الفتاح مقدمة كتاب تاريخ أمراء البلد الحرام وهي كالتالي: (التعليق الأسنى في شرح منظومة أسماء الله الحسني) وهذه المنظومة هي للشيخ حماد الشنقيطي وكانت الطبعة الثالثة عام 1387ه، و(اتحاف الصديق بمناقب الصديق) -أبي بكر الخليفة الراشد الأول- طبع هذا الكتاب عام 1391ه بالقاهرة، و(الكوكب الأغر على قطف الثمر)، و(الاتزان في مناقب الإمام عثمان) -الخليفة الراشد الثالث- الطبعة الأولى عام 1387ه، وكذلك كتاب (الدرر اللؤلؤية على النفحة الحسنية)، و(شرح التحفة السنية في أحوال الورثة الأربعينية) -في علم الفرائض- وهذا ثاني كتاب في علم الفرائض يؤلفه عبدالفتاح المكي، وكما قلت عدّد مؤلفاته العالم العراقي علي جواد الطاهر في كتابه (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية)، وعدّدها الشيخ محمد آل كمال في مقدمة (تاريخ أمراء البلد الحرام)، لكن علي جواد الطاهر أكثر تفصيلاً ودقة كما هو منهجه في كتابه هذا الذي يعد من أنفس المؤلفات في تاريخ ونشر الكتاب السعودي. وفي يوم الثاني من جمادى الأول لعام 1424ه توفي المُعلّم المربي عبدالفتاح المكي، رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى، وليت أن هناك مؤسسة ثقافية تتولى إعادة نشر مؤلفاته وتراثه ليعم النفع بها بين طلاب العلم والقراء. مسجد عبدالله بن عباس في الطائف درّس فيه عبدالفتاح المكي المؤرخ محمد بن سعيد آل كمال الأديب محمد الحميد من طلاب عبدالفتاح المكي كتاب أحكام الصيام اختصار وتعليق عبدالفتاح المكي الإفصاح عن مسائل الإيضاح جمع وترتيب عبدالفتاح المكي إعداد- صلاح الزامل